للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ

بَعْدَ مَا أَمَرَ اللهُ - تَعَالَى - بِالِاعْتِصَامِ بِحَبْلِهِ وَذَكَّرَ بِنِعْمَتِهِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِتَأْلِيفِ الْقُلُوبِ وَأُخُوَّةِ الْإِسْلَامِ، وَبَعْدَ مَا نَهَى عَنِ التَّفَرُّقِ فِي الْأَهْوَاءِ وَالِاخْتِلَافِ فِي الدِّينِ، وَتَوَعَّدُ عَلَى ذَلِكَ بِالْعَذَابِ الْعَظِيمِ - بَيَّنَ فَضْلَ الْمُعْتَصِمِينَ بِحَبْلِهِ، الْمُتَآخِينَ فِي دِينِهِ، الْمُتَحَابِّينَ فِيهِ، وَوَصَفَهُمْ بِهَذَا الْوَصْفِ الشَّرِيفِ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ خَيْرِيَّةَ الْأُمَّةِ وَفَضْلَهَا عَلَى غَيْرِهَا تَكُونُ بِهَذِهِ الْأُمُورِ: الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَالْإِيمَانُ بِاللهِ - تَعَالَى -.

فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى -: كُنْتُمْ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:

(الْوَجْهُ الْأَوَّلُ) أَنَّهَا تَامَّةٌ فَالْمَعْنَى وُجِدْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ كَأَنَّهُ قَالَ: أَنْتُمْ خَيْرُ أُمَّةٍ فِي الْوُجُودِ الْآنَ ; لِأَنَّ جَمِيعَ الْأُمَمِ غَلَبَ عَلَيْهَا الْفَسَادُ فَلَا يُعْرَفُ فِيهَا الْمَعْرُوفُ وَلَا يُنْكَرُ فِيهَا الْمُنْكَرُ، وَلَيْسَتْ عَلَى الْإِيمَانِ الصَّحِيحِ الَّذِي يَزَعُ أَهْلَهُ عَنِ الشَّرِّ وَيَصْرِفُهُمْ

إِلَى الْخَيْرِ وَأَنْتُمْ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ إِيمَانًا صَحِيحًا يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي الْعَمَلِ.

(الْوَجْهُ الثَّانِي) أَنَّهَا نَاقِصَةٌ وَالْمَعْنَى حِينَئِذٍ كُنْتُمْ فِي الْأُمَمِ السَّابِقَةِ كَمَا فِي كُتُبِهَا الْمُبَشِّرَةِ بِكُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ إِلَخْ. وَقَالَ أَبُو مُسْلِمٍ: إِنَّ هَذَا الْقَوْلَ يُقَالُ لِمَنِ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ، وَالْمَعْنَى: كُنْتُمْ فِيمَا سَبَقَ مِنْ أَيَّامِ حَيَاتِكُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ شَأْنُكُمْ كَذَا وَكَذَا ; وَبِذَلِكَ كَانَ لَكُمْ هَذَا الْجَزَاءُ الْحَسَنُ، فَالْكَلَامُ عِنْدَهُ تَتِمَّةٌ لِلْآيَاتِ السَّابِقَةِ فَكَمَا ذَكَرَ فِيهَا مَا يُقَالُ لِمَنِ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ ذَكَرَ أَيْضًا مَا يُقَالُ لِمَنِ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ، وَقِيلَ عَلَى هَذَا - أَيْ كَوْنِهَا نَاقِصَةً - غَيْرُ ذَلِكَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>