للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَوِ النَّصْرَانِيُّ وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ أُجْرَةِ الْمِثْلِ، وَلَعَلَّ جَمْعِيَّاتِهِمُ السِّيَاسِيَّةَ وَالْخَيْرِيَّةَ تُسَاعِدُهُمْ عَلَى ذَلِكَ، فَالدَّلَائِلُ مُتَوَفِّرَةٌ عَلَى أَنَّ الْقَوْمَ يُحَاوِلُونَ امْتِلَاكَ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ، وَحِرْمَانَ غَيْرِهِمْ مِنْ جَمِيعِ أَسْبَابِ الرِّزْقِ فِيهَا، يَفْعَلُونَ هَذَا وَلَيْسَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ " هَذَا وَمَا كَيْفَ لَوْ ".

وَهَلْ يَعُودُ إِلَيْهِمُ الْمُلْكُ كَمَا يَبْغُونَ؟ الْآيَةُ لَا تُثْبِتُ ذَلِكَ وَلَا تَنْفِيهِ، وَإِنَّمَا تُبَيِّنُ مَا تَقْتَضِيهِ طِبَاعُهُمْ فِيهِ لَوْ حَصَلَ، وَسَيَأْتِي الْبَحْثُ فِي ذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْإِسْرَاءِ الَّتِي تُسَمَّى أَيْضًا (سُورَةَ بَنِي إِسْرَائِيلَ) وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَا تَقْتَضِيهِ مِنَ الْكَثْرَةِ وَهُمْ مُتَفَرِّقُونَ وَمُتَعَلِّقُونَ بِأَمْوَالِهِمْ فِي كُلِّ الْمَمَالِكِ، وَمِنَ الِاسْتِعْدَادِ لِلْحَرْبِ وَالزِّرَاعَةِ، وَقَدْ ضَعُفَ ذَلِكَ فِي أَكْثَرِهِمْ، وَلَكِنَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ اعْتِقَادًا دِينِيًّا أَنَّهُمْ سَيُقِيمُونَ الْمُلْكَ، أَوْ سَوْفَ يُقِيمُونَهُ فِي الْبِلَادِ الْمُقَدَّسَةِ، وَقَدِ ادَّخَرُوا لِذَلِكَ مَالًا كَثِيرًا، فَيَجِبُ عَلَى الْعُثْمَانِيِّينَ أَلَّا يُمَكِّنُوا لَهُمْ فِي فِلَسْطِينَ وَلَا يُسَهِّلُوا لَهُمْ طُرُقَ امْتِلَاكِ أَرْضِهَا، وَكَثْرَةَ الْمُهَاجَرَةِ إِلَيْهَا، فَإِنَّ فِي ذَلِكَ خَطَرًا كَبِيرًا كَمَا نَبَّهْنَا فِي تَفْسِيرِ الْآيَاتِ السَّابِقَةِ مِنْ عَهْدٍ قَرِيبٍ.

أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ، الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: سَبَقَ فِي الْآيَاتِ قَبْلَ هَذِهِ أَنَّ الْيَهُودَ حَكَمُوا بِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ أَهْدَى سَبِيلًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَذَلِكَ مِنَ الْحَسَدِ وَالْغُرُورِ بِأَنْفُسِهِمْ؛ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُمْ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ، فَهُمْ فِي شَرِّ حَالٍ، وَيَعِيبُونَ مَنْ هُمْ فِي أَحْسَنِ حَالٍ، فَاللهُ تَعَالَى يَقُولُ: إِنَّ هَؤُلَاءِ يُرِيدُونَ أَنْ يَضِيقَ فَضْلُ اللهِ بِعِبَادِهِ، وَلَا يُحِبُّونَ أَنْ يَكُونَ لِأُمَّةٍ مِنَ الْأُمَمِ فَضْلٌ أَكْثَرُ مِمَّا لَهُمْ أَوْ مِثْلُهُ أَوْ قَرِيبٌ مِنْهُ لِمَا اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْغُرُورِ بِنَسَبِهِمْ وَتَقَالِيدِهِمْ مَعَ سُوءِ حَالِهِمْ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: هَلْ غَرَّرَ هَؤُلَاءِ بِأَنْفُسِهِمْ تَغْرِيرًا، أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فِي هَذَا الْكَوْنِ فَهُمْ يَمْنَعُونَ النَّاسَ، فَلَا يُؤْتُونَهُمْ مِنْهُ نَقِيرًا، أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا أَعْطَاهُمُ

اللهُ مِنْ فَضْلِهِ؟ أَيِ: الْعَرَبُ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا وَالْعَرَبُ مِنْهُمْ فَإِنَّهُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ وَلَدِهِ إِسْمَاعِيلَ، وَقَدْ كَانَتْ ظَهَرَتْ تَبَاشِيرُ الْمُلْكِ الْعَظِيمِ فِيهِمْ عِنْدَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَاتِ ; فَإِنَّهَا مَدَنِيَّةٌ مُتَأَخِّرَةٌ، وَكَانَتْ شَوْكَةُ الْمُسْلِمِينَ قَدْ قَوِيَتْ، فَالْآيَةُ مُبَشِّرَةٌ لَهُمْ بِالْمُلْكِ الَّذِي يَتْبَعُ النُّبُوَّةَ وَالْحِكْمَةَ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ حَالَ الْيَهُودِ يَوْمَئِذٍ كَانَ لَا يَعْدُو هَذِهِ الْأُمُورَ الثَّلَاثَةَ: إِمَّا غُرُورٌ خَادِعٌ يَظُنُّونَ مَعَهُ أَنَّ فَضْلَ اللهِ مَحْصُورٌ فِيهِمْ، وَرَحْمَتَهُ تَضِيقُ عَنْ غَيْرِ شَعْبِ إِسْرَائِيلَ مِنْ خَلْقِهِ، وَإِمَّا حُسْبَانُ أَنَّ مُلْكَ الْكَوْنِ فِي أَيْدِيهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَحُونَ لِأَحَدٍ بِشَيْءٍ مِنْهُ وَلَوْ حَقِيرًا كَالنَّقِيرِ، وَإِمَّا حَسَدُ الْعَرَبِ عَلَى مَا أَعْطَاهُمُ اللهُ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ وَالْمُلْكِ الَّذِي ظَهَرَتْ مَبَادِئُ عَظَمَتِهِ، انْتَهَى مَا قَالَهُ فِي الدَّرْسِ، وَلَيْسَ عِنْدَنَا عَنْهُ فِي ذَلِكَ غَيْرُهُ.

وَأَقُولُ: فَسَّرُوا الْحَسَدَ بِأَنَّهُ تَمَنِّي زَوَالِ النِّعْمَةِ عَنْ صَاحِبِهَا الْمُسْتَحِقِّ لَهَا، وَلَمْ يَرِدْ ذِكْرُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>