للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِتَحِيَّةِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَتَحِيَّةِ الْمَلَائِكَةِ، فَقَالَ لَهُمْ: مَا يَقُولُ صَاحِبكُمْ فِي عِيسَى وَأُمِّهِ؟ قَالُوا: يَقُولُ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَرُوحٌ مِنْهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ، وَيَقُولُ فِي مَرْيَمَ: إِنَّهَا الْعَذْرَاءُ الطَّيِّبَةُ الْبَتُولُ، قَالَ فَأَخَذَ عُودًا مِنَ الْأَرْضِ فَقَالَ: مَا زَادَ عِيسَى وَأُمُّهُ عَلَى مَا قَالَ صَاحِبُكُمْ هَذَا الْعُودَ، فَكَرِهُ الْمُشْرِكُونَ قَوْلَهُ وَتَغَيَّرَتْ لَهُ وُجُوهُهُمْ فَقَالَ: هَلْ تَقْرَءُونَ شَيْئًا مِمَّا أُنْزِلَ عَلَيْكُمْ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: فَاقْرَءُوا وَحَوْلَهُ الْقِسِّيسُونَ وَالرُّهْبَانُ وَسَائِرُ النَّصَارَى فَجَعَلَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْقِسِّيسِينَ وَالرُّهْبَانِ كُلَّمَا قَرَءُوا آيَةً انْحَدَرَتْ دُمُوعُهُمْ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: (ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ) .

هَذَا وَإِنَّ الْمُحَدِّثِينَ يَجْمَعُونَ بَيْنَ أَمْثَالِ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ بِتَعَدُّدِ الْوَقَائِعِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنِ الْجَمْعُ اعْتَمَدُوا عَلَى مَا كَانَ أَقْوَى سَنَدًا.

ذَكَرَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ الْحَافِظُ السُّيُوطِيُّ فِي الدُّرِّ الْمَنْثُورِ، وَذَكَرَ رِوَايَةً أُخْرَى أَخْرَجَهَا الطَّبَرَانِيُّ مُخْتَصَرَةً وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ مُطَوَّلَةً عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فِي سَبَبِ إِسْلَامِهِ، مُلَخَّصُهَا أَنَّهُ كَانَ مَجُوسِيًّا وَظَفِرَ بِبَعْضِ عُبَّادِ النَّصَارَى الْمُنْقَطِعِينَ فِي بَعْضِ الْجِبَالِ وَسَافَرَ مَعَهُمْ مِنْ بِلَادِهِ إِلَى الْمَوْصِلِ، وَهُنَاكَ اتَّصَلُوا بِعُبَّادٍ مِثْلِهُمْ وَلَقُوا رَجُلًا كَانَ مُنْقَطِعًا لِلْعِبَادَةِ فِي كَهْفٍ عَظَّمُوهُ كَثِيرًا، وَوَعَظَهُمْ هُوَ وَعْظًا بَلِيغًا، ذَكَرَ فِيهِ أَنَّ عِيسَى كَانَ رَسُولًا لِلَّهِ وَعَبْدًا أَنْعَمَ عَلَيْهِ فَشَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، وَكَانَ الرَّجُلُ لَا يَخْرُجُ مِنَ الْكَهْفِ إِلَّا يَوْمَ الْأَحَدِ، ثُمَّ سَافَرَ الْعَابِدُ وَسَافَرَ مَعَهُ سَلْمَانُ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَهُنَاكَ

شَفَى الله عَلَى يَدِهِ مُقْعَدًا، وَقَدْ وَعَظَ سَلْمَانَ قَبْلَ فِرَاقِهِ فَذَكَرَ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ وَبِعْثَةَ نَبِيٍّ مِنْ تِهَامَةَ صِفَاتُهُ كَيْتَ وَكَيْتَ وَأَوْصَاهُ بِالْإِيمَانِ بِهِ، ثُمَّ فَارَقَهُ فَلَمْ يَسْتَطِعْ إِدْرَاكَهُ، فَلَقِيَ رَكْبًا مِنَ الْحِجَازِ حَمَلُوهُ إِلَى الْمَدِينَةِ فَبَاعُوهُ فِيهَا، وَلَمَّا لَقِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَأَى الْعَلَامَاتِ فِيهِ آمَنَ وَكَاتَبَ وَسَاعَدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَالِ عَلَى شِرَاءِ نَفْسِهِ، وَأَنَّ الْآيَاتِ نَزَلَتْ فِي أَصْحَابِهِ الَّذِينَ صَحِبَهُمْ، وَالرِّوَايَةُ ضَعِيفَةٌ وَحَمْلُ الْآيَاتِ عَلَيْهَا بِعِيدٌ.

(وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) .

بَعْدَ أَنْ بَيَّنَ اللهُ تَعَالَى فِي آخِرِ الْآيَةِ السَّابِقَةِ أَنَّ مَا أَثَابَ بِهِ أُولَئِكَ النَّصَارَى الَّذِينَ آمَنُوا بِالرَّسُولِ الْأَعْظَمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ جَزَاءُ جَمِيعِ الْمُحْسِنِينَ عِنْدَهُ الَّذِينَ آمَنُوا كَإِيمَانِهِمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>