للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَصْدَرٍ لِمَسَّهُ مَسًّا - مِنْ بَابِ تَعِبَ وَنَصَرَ - إِذَا لَمَسَهُ بِيَدِهِ مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ، هَكَذَا قَيَّدُوهُ كَمَا فِي الْمِصْبَاحِ. وَيُعَبَّرُ عَنْ إِصَابَةِ كُلِّ شَيْءٍ لِلْإِنْسَانِ مِنْ خَيْرٍ وَشَرٍّ وَنَفْعٍ وَضُرٍّ، وَيُكْنَى بِهِ وَبِالْمُمَاسَّةِ وَالْمُلَامَسَةِ كَالْمُبَاشَرَةِ عَنِ الْغِشْيَانِ الْمَعْلُومِ

بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ (مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ) بِالْفِعْلِ الثُّلَاثِيِّ، وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ (تَمَاسُّوهُنَّ) بِالصِّيغَةِ الدَّالَّةِ عَلَى الْمُشَارَكَةِ هُنَا وَفِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ (٣٣) ; لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَشْتَرِكُ فِيهِ بِحَسَبِ حَالِهِ، فَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ بَيَانٌ لِلْوَاقِعِ، وَتِلْكَ بَيَانٌ لِفِعْلِ الرَّجُلِ الَّذِي يَجِبُ بِهِ مَا يَجِبُ مِنَ الْمَهْرِ وَالْعِدَّةِ، وَآيَةُ الْأَحْزَابِ الَّتِي فِيهَا الْقِرَاءَتَانِ هِيَ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكَمَ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا) (٣٣: ٤٩) وَأَجْمَعُوا عَلَى قِرَاءَةٍ وَاحِدَةٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى مِنْ سُورَةِ مَرْيَمَ حِكَايَةً عَنْهَا: (وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ) (١٩: ٢٠) لِأَنَّهُ نَفْيٌ لِسَبَبِ الْوَلَدِ مِنْ قِبَلِ الرِّجَالِ لَا مَعْنَى لِلْمُشَارِكَةِ فِيهِ، وَالْمُرَادُ بِفَرْضِ الْفَرِيضَةِ تَسْمِيَةُ الْمَهْرِ، وَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ يَصِحُّ بِغَيْرِ مَهْرٍ، قَالُوا: وَيَجِبُ حِينَئِذٍ مَهْرُ الْمِثْلِ.

قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: وَالْفَرْضُ هُنَا يَصْدُقُ بِمَا يَكُونُ بَعْدَ الْعَقْدِ كَأَنْ يَقُولَ: أَمْهَرْتُكِ أَلْفًا مَثَلًا.

يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: (لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ) أَيْ: لَا يَلْزَمُكُمْ شَيْءٌ مِنَ الْمَالِ تَأْثَمُونَ بِتَرْكِهِ فِي حَالِ طَلَاقِكُمْ لِلنِّسَاءِ (مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً) أَيْ: مُدَّةَ عَدَمِ مَسِّكُمْ إِيَّاهُنَّ وَتَسْمِيَةِ الْمَهْرِ لَهُنَّ، فَـ (أَوْ) هُنَا بِمَعْنَى الْوَاوِ أَوِ الْمَعْنَى: إِلَى أَنْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ، أَوْ إِلَّا أَنْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ، أَيْ: فَحِينَئِذٍ يَجِبُ عَلَيْكُمْ شَيْءٌ وَهُوَ مَا يُذْكَرُ فِي الْآيَةِ التَّالِيَةِ لِهَذِهِ.

وَالْمَعْنَى إِذَا تَحَقَّقَ الشَّرْطَانِ أَوِ الْقَيْدَانِ فَلَا تَدْفَعُوا لَهُنَّ مَهْرًا (وَمَتِّعُوهُنَّ) أَيْ: أَعْطُوهُنَّ شَيْئًا يَتَمَتَّعْنَ بِهِ، وَلْتَكُنْ هَذِهِ الْمُتْعَةُ عَلَى حَسَبِ حَالِكُمْ فِي الثَّرْوَةِ (عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ) الْمُوسِعُ وَصْفٌ؛ مِنْ أُوسِعَ الرَّجُلُ إِذَا صَارَ ذَا سَعَةٍ؛ وَهِيَ الْبَسْطَةُ وَالْغِنَى، وَالْمُقْتِرُ مِنْ أَقْتَرَ الرَّجُلُ إِذَا قَلَّ مَالُهُ وَافْتَقَرَ، وَقَتَرَ عَلَى عِيَالِهِ (مِنْ بَابِ قَعَدَ وَضَرَبَ) وَأَقْتَرَ: ضَيَّقَ عَلَيْهِمْ فِي النَّفَقَةِ، وَلَعَلَّهُ مِنَ الْقُتَارِ - بِالضَّمِّ - وَهُوَ دُخَانُ الشِّوَاءِ وَالطَّبِيخِ وَبُخَارُهُ وَرَائِحَتُهُ، وَالْقَتْرُ مِنَ النَّفَقَةِ: الرُّمْقَةُ مِنَ الْعَيْشِ، وَيُقَالُ: أَقْتَرَ أَيْضًا إِذَا قَتَّرَ عَمْدًا فَعَاشَ عِيشَةَ الْفَقِيرِ، وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفَصٌ وَابْنُ ذَكْوَانَ (قَدَرُهُ) بِفَتْحِ الدَّالِ، وَالْبَاقُونَ بِسُكُونِهَا وَهُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنًى، وَقِيلَ: الْقُدْرَةُ بِالتَّسْكِينِ الطَّاقَةُ، وَبِالتَّحْرِيكِ الْمِقْدَارُ، وَالْمُرَادُ لَا يَخْتَلِفُ،

وَهُوَ أَنَّ الْمُتْعَةَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ ثَرْوَةِ الرَّجُلِ وَبَسْطَتِهِ وَلِذَلِكَ لَمْ تُحَدَّدْ، بَلْ تُرِكَتْ لِاجْتِهَادِ الْمُكَلَّفِ; لِأَنَّهُ أَعْرَفُ بِثَرْوَةِ نَفْسِهِ، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ اللهَ فَرَضَهَا عَلَيْهِ وَأَكَّدَهَا بِقَوْلِهِ: (مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ) فَأَمَّا الْمَعْرُوفُ فَهُوَ مَا يَتَعَارَفُ النَّاسُ بَيْنَهُمْ وَيَلِيقُ بِهِمْ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ أَصْنَافِهِمْ وَأَحْوَالِ مَعَايِشِهِمْ وَشَرَفِهِمْ، وَأَمَّا كَوْنُهُ (حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ) فَمَعْنَاهُ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ حَاقَّةٌ، عَلَى أَنَّهَا إِحْسَانٌ فِي التَّعَامُلِ لَا عُقُوبَةٌ، فَإِنَّ الْحِكْمَةَ فِيهَا كَمَا قَالُوا: جَبْرُ إِيحَاشِ الطَّلَاقِ; كَأَنَّ الْمَعْنَى إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ بِاللهِ مُحْسِنِينَ فِي طَاعَتِهِ فَعَلَيْكُمْ أَنْ تَجْعَلُوا هَذَا الْمَتَاعَ لَائِقًا مُؤَدِّيًا إِلَى الْغَرَضِ مِنْهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>