وَذَا ضِيَاءٍ اهـ. وَقَدْ تَكَرَّرَ التَّذْكِيرُ فِي التَّنْزِيلِ بِآيَاتِ اللهِ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنْ خَلْقِهِمَا وَتَقْدِيرِهِمَا وَمَنَافِعِ النَّاسِ فِيهِمَا، وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ احْتِبَاكٌ وَهُوَ أَنَّهُ حَذَفَ مِنْ كُلٍّ مِنْ آيَتَيِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَا أَثْبَتَ مُقَابِلَهُ فِي الْأُخْرَى وَالْعَكْسُ، وَفِي قَوْلِهِ
تَعَالَى: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) مِثْلُهُ، أَيْ إِنَّ فِيمَا ذُكِرَ لَدَلَائِلَ بَيِّنَاتٍ، وَآيَاتٍ أَيَّ آيَاتٍ، عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ فِي الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ مَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ مِنَ التَّذْكِيرِ بِحِكَمِهِ تَعَالَى وَنَعَمِهِ فِيهَا سَمَاعَ فِقْهٍ وَتَدَبُّرٍ، وَيُبْصِرُونَ مَا فِي الْكَائِنَاتِ مِنَ السُّنَنِ الْحَكِيمَةِ إِبْصَارَ تَأَمُّلٍ، ذَكَرَ الْآيَاتِ السَّمْعِيَّةَ الْمُنَاسِبَةَ لِلَّيْلِ الَّذِي قَدَّمَ ذِكْرَهُ، وَهِيَ تَدُلُّ عَلَى الْآيَاتِ الْبَصَرِيَّةِ الْمُنَاسِبَةِ لِلنَّهَارِ وَتَذْكِيرٌ بِهَا، وَهُوَ أَبْلَغُ الْإِيجَازِ، وَقَدْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي مَقَامِ الْإِطْنَابِ مِنْ سُورَةِ الْقَصَصِ بِقَوْلِهِ: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (٢٨: ٧١ - ٧٣) وَأَحْسِنْ بِذَلِكَ الْإِطْنَابِ تَفْسِيرًا لِمَا هُنَا مِنَ الْإِيجَازِ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا مَوْقِعُهُ مِنْ بَلَاغَةِ الْإِعْجَازِ.
(قَالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لَا يَفْلَحُونَ مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعِهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ) .
هَذِهِ الْآيَاتُ حِكَايَةٌ لِنَوْعٍ آخَرَ مِنَ الْكُفْرِ بِاللهِ تَعَالَى قَرِيبٍ مِنْ كُفْرِ اتِّخَاذِ الشُّرَكَاءِ لَهُ وَهُوَ زَعْمُهُمْ أَنَّهُ اتَّخَذَ وَلَدًا، وَقَدِ اشْتَرَكَ فِيهِ عُبَّادُ الْأَصْنَامِ وَالْأَوْثَانِ وَبَعْضُ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَحَكَاهُ عَنْهُمْ مَفْصُولًا لَا لِأَنَّهُ نَوْعٌ مُسْتَقِلٌّ وَتَعَقَّبَهُ بِالْإِبْطَالِ.
(قَالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا) فَزَعَمَ الْمُشْرِكُونَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ بَنَاتُ اللهِ، وَقَالَتِ
النَّصَارَى: الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ، وَقَالَ بَعْضُ الْيَهُودِ: عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ، وَتَقَدَّمَ فِي سُورَةِ التَّوْبَةِ (وَيَرَى بَعْضُ الْمُؤَرِّخِينَ أَنَّ عُزَيْرًا هُوَ أُوزِيرُوسُ أَحَدُ آلِهَةِ قُدَمَاءِ الْمِصْرِيِّينَ) (سُبْحَانَهُ) كَلِمَةُ التَّسْبِيحِ مَعْنَاهَا التَّنْزِيهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute