(الْعِبْرَةُ الْعَامَّةُ فِي إِهْلَاكِ الْأُمَمِ الظَّالِمَةِ) :
ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ
الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ.
هَذِهِ الْآيَاتُ الثَّلَاثُ فِي الْعِبْرَةِ الْعَامَّةِ بِمَا فِي إِهْلَاكِ الْأُمَمِ الظَّالِمَةِ فِي الدُّنْيَا مِنْ مَوْعِظَةٍ، وَيَتْلُوهَا الْعِبْرَةُ بِعَذَابِ الْآخِرَةِ. قَالَ - تَعَالَى -: - ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى - أَيْ ذَلِكَ الَّذِي قَصَصْنَاهُ عَلَيْكَ أَيُّهَا الرَّسُولُ بَعْضَ أَنْبَاءِ الْأُمَمِ، أَيْ أَهَمُّ أَخْبَارِهَا، وَأَطْوَارُ اجْتِمَاعِهَا فِي الْقُرَى وَالْمَدَائِنِ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ وَمَنْ بَعْدَهُمْ - نَقُصُّهُ عَلَيْكَ - فِي هَذَا الْقُرْآنِ أَوْ هَذِهِ السُّورَةِ لِتَتْلُوَهُ عَلَى النَّاسِ، وَيَتْلُوَهُ الْمُؤْمِنُونَ آنًا بَعْدَ آنٍ، لِلْإِنْذَارِ بِهِ تَبْلِيغًا عَنَّا، فَهُوَ مَقْصُوصٌ مِنْ لَدُنَّا بِكَلَامِنَا - مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ - أَيْ مِنْ تِلْكَ الْقُرَى مَا لَهُ بَقَايَا مَائِلَةٌ وَآثَارٌ بَاقِيَةٌ كَالزَّرْعِ الْقَائِمِ فِي الْأَرْضِ، كَقُرَى قَوْمِ صَالِحٍ، وَمِنْهَا مَا عَفَا وَدَرَسَتْ آثَارُهُ كَالزَّرْعِ الْمَحْصُودِ الَّذِي لَمْ يَبْقَ مِنْهُ بَقِيَّةٌ فِي الْأَرْضِ كَقُرَى قَوْمِ لُوطٍ.
- وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ - أَيْ: وَمَا كَانَ إِهْلَاكُهُمْ بِغَيْرِ جُرْمٍ اسْتَحَقُّوا بِهِ الْهَلَاكَ، وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بِشِرْكِهِمْ وَفَسَادِهِمْ فِي الْأَرْضِ، وَإِصْرَارِهِمْ حَتَّى لَمْ يَعُدْ فِيهِمْ بَقِيَّةٌ مِنْ قَبُولِ الْحَقِّ وَإِيثَارِ الْخَيْرِ عَلَى الشَّرِّ، بِحَيْثُ لَوْ بَقُوا زَمَنًا آخَرَ لَمَا ازْدَادُوا إِلَّا ظُلْمًا وَفُجُورًا وَفَسَادًا، كَمَا قَالَ نُوحٌ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: - إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا - ٧١: ٢٧ وَقَدْ بَالَغَ رُسُلُهُمْ فِي وَعْظِهِمْ وَإِرْشَادِهِمْ، فَمَا زَادَهُمْ نُصْحُهُمْ لَهُمْ إِلَّا عِنَادًا وَإِصْرَارًا، وَأَنْذَرُوهُمُ الْعَذَابَ فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ اسْتِكْبَارًا، وَاتَّكَلُوا عَلَى دَفْعِ آلِهَتِهِمُ الْعَذَابَ عَنْهُمْ إِنْ هُوَ نَزَلَ بِهِمْ - فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ - أَيْ: فَمَا نَفَعَتْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي كَانُوا يَدْعُونَهَا، وَيَطْلُبُونَ مِنْهَا أَنْ تَدْفَعَ عَنْهُمْ الضُّرَّ بِنَفْسِهَا أَوْ بِشَفَاعَتِهَا عِنْدَ اللهِ -
تَعَالَى - لَمَّا جَاءَ عَذَابُ رَبِّكَ تَصْدِيقًا لِنُذُرِ رُسُلِهِ - وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ - أَيْ: هَلَاكٍ وَتَخْسِيرٍ وَتَدْمِيرٍ، وَهُوَ مِنَ التِّبَابِ أَيِ الْخُسْرَانِ وَالْهَلَاكِ: يُقَالُ: تَبَّبَهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute