للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَيَكُونُ ثَمَنُهُ ٣٠٠ غَرَامٍ مِنَ الْفِضَّةِ، وَهِيَ تَقْرُبُ مِنْ ٩٤ دِرْهَمًا مِنْ دَرَاهِمِنَا الْيَوْمَ، وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَنَّهُ عِشْرُونَ دِرْهَمًا وَلَعَلَّهُ سَمِعَهُ عَنِ الْيَهُودِ فَظَنَّ أَنَّ الْعِشْرِينَ عِنْدَهُمْ هِيَ الدَّرَاهِمُ عِنْدَ الْعَرَبِ (وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ) أَيْ وَكَانَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ بَاعُوهُ مِنَ الرَّاغِبِينَ عَنْهُ الَّذِينَ يَبْغُونَ الْخَلَاصَ مِنْهُ لِئَلَّا يَظْهَرَ مَنْ يُطَالِبُهُمْ بِهِ لِأَنَّهُ حُرٌّ، وَالثَّمَنُ لَمْ يَكُنْ مَقْصُودًا لَهُمْ وَلِهَذَا قَنَعُوا بِالْبَخْسِ مِنْهُ.

حَادِثَةُ يُوسُفَ مَعَ امْرَأَةِ الْعَزِيزِ:

(وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) .

هَاتَانِ الْآيَتَانِ تَمْهِيدٌ لِلْقِصَّةِ فِي وِجْهَةِ نَظَرِ مُشْتَرِيهِ فِيهِ، وَتَمْكِينِ اللهِ لَهُ وَتَعْلِيمِهِ وَغَلَبِهِ عَلَى أَمْرِهِ وَإِيتَائِهِ حُكْمًا وَعِلْمًا وَشَهَادَتِهِ بِإِحْسَانِهِ.

(وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ) لَمْ يُبَيِّنِ الْقُرْآنُ اسْمَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنَ السَّيَّارَةِ فِي مِصْرَ وَلَا مَنْصِبَهُ وَلَا اسْمَ امْرَأَتِهِ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ لَيْسَ كِتَابَ حَوَادِثٍ وَتَارِيخٍ، وَإِنَّمَا قَصَصُهُ حِكَمٌ وَمَوَاعِظُ وَعِبَرٌ وَتَهْذِيبٌ، وَلَكِنَّ وَصْفَهُ النِّسْوَةِ فِيمَا يَأْتِي بِلَقَبِ الْعَزِيزِ - وَهُوَ اللَّقَبُ الَّذِي صَارَ لَقَبَ يُوسُفَ بَعْدَ أَنْ تَوَلَّى إِدَارَةَ الْمُلْكِ فِي مِصْرَ - فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَقَبُ أَكْبَرِ وُزَرَاءِ الْمَلِكِ. وَلِلْمُفَسِّرِينَ أَقْوَالٌ فِي اسْمِهِ وَاسْمُ مَلِكِ مِصْرَ لَيْسَ لِلْقُرْآنِ شَأْنٌ فِيهَا. وَفِي سِفْرِ التَّكْوِينِ أَنَّهُ كَانَ رَئِيسَ الشُّرْطِ وَحَامِيَةَ الْمَلِكِ وَنَاظِرَ السُّجُونِ، وَأَنَّ اسْمَهُ فُوطِيفَارُ، وَوُصِفَ فِيهِ بِالْخَصْيِ، وَلَكِنَّ الْخِصْيَانَ لَا يَكُونُ لَهُمْ أَزْوَاجٌ. فَقِيلَ فِي تَصْحِيحِهِ: لَعَلَّهُ لَقَبٌ لَا يُقْصَدُ بِهِ هَذَا الْمَعْنَى. وَقَدْ تَفَرَّسَ هَذَا الْوَزِيرُ الْكَبِيرُ فِي يُوسُفَ أَصْدَقَ الْفِرَاسَةِ إِذْ وَصَّى امْرَأَتَهُ بِإِكْرَامِ مَثْوَاهُ، وَالْمَثْوَى: مَصْدَرٌ وَاسْمُ مَكَانٍ مِنْ ثَوَى بِالْمَكَانِ يَثْوِي (كَرَمَى

<<  <  ج: ص:  >  >>