للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ الِاسْتِفْهَامُ لِلتَّذْكِيرِ وَالتَّعَجُّبِ مِنْ أَمْرٍ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَقَعَ مِنَ الْعَاقِلِ، وَالْفَاءُ عَطْفٌ عَلَى مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، أَغَرَّ أَهْلَ تِلْكَ الْقُرَى مَا كَانُوا فِيهِ مِنْ نِعْمَةٍ حِينَ كَذَّبُوا الرُّسُلَ فَأَمِنُوا أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا؟ إِلَخْ. وَعَلَى الثَّانِي أَجَهِلَ أَهْلُ مَكَّةَ وَغَيْرِهَا مِنَ الْقُرَى الَّتِي بَلَغَتْهَا الدَّعْوَةُ - وَمِثْلَهَا مَنْ سَتُبْلُغُهَا - مَا نَزَلْ بِمَنْ قَبْلَهُمْ، وَغَرَّهُمْ مَا هُمْ فِيهِ مِنْ نِعْمَةٍ فَأَمِنُوا أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُنَا وَقْتَ بَيَاتِهِمْ - أَوْ إِتْيَانَ بَيَاتٍ - وَهُوَ الْهُجُومُ عَلَى الْعَدُوِّ لَيْلًا وَهُوَ بَائِتٌ، فَقَوْلُهُ: وَهُمْ نَائِمُونَ حَالٌ مُبَيِّنَةٌ لِغَايَةِ الْغَفْلَةِ وَكَوْنِ الْأَخْذِ عَلَى غِرَّةٍ، كَمَا قَالَ فِيمَنْ عُذِّبُوا: فَأَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً وَلْيُرَاجَعْ تَفْسِيرُ الْآيَةِ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ: وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ قَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ، وَابْنُ عَامِرٍ، أَوْ بِسُكُونِ الْوَاوِ، وَالْمَعْنَى بِحَسَبِ أَهْلِ اللُّغَةِ: أَأَمِنُوا ذَلِكَ الْإِتْيَانَ أَوْ هَذَا؟ وَهُوَ لَا يَمْنَعُ الْجَمْعَ بَيْنَ الْأَمْنَيْنِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِفَتْحِ

الْوَاوِ عَلَى أَنَّ الْهَمْزَةَ لِلْإِنْكَارِ، وَالْوَاوَ لِلْعَطْفِ عَلَى مَحْذُوفٍ كَالَّذِي قَبْلَهُ، وَقَدْ أُعِيدَ الِاسْتِفْهَامُ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ لِنُكْتَةِ وَضْعِ الْمُظْهَرِ مَوْضِعَ الْمُضْمَرِ الَّتِي بَيَّنَّاهَا آنِفًا، وَالضُّحَى انْبِسَاطُ الشَّمْسِ، وَامْتِدَادُ النَّهَارِ، وَيُسَمَّى بِهِ الْوَقْتُ، أَوْ ضَوْءُ الشَّمْسِ فِي شَبَابِ النَّهَارِ، وَاخْتَارَهُ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ، وَالْلَّعِبُ - بِفَتْحِ اللَّامِ وَكَسْرِ الْعَيْنِ - مَا لَا يَقْصِدُ فَاعِلُهُ بِسَبَبِ مَنْفَعَةٍ، وَلَا دَفْعِ مَضَرَّةٍ بَلْ يَفْعَلُهُ لِأُنْسٍ لَهُ بِهِ أَوْ لَذَّةٍ لَهُ فِيهِ كَلَعِبِ الْأَطْفَالِ، وَمَا يَقْصِدُ بِهِ الْعُقَلَاءُ رِيَاضَةَ الْجِسْمِ قَدْ يَخْرُجُ عَنْ حَقِيقَةِ اللَّعِبِ، وَيَكُونُ إِطْلَاقُهُ عَلَيْهِ مَجَازِيًّا بِحَسَبِ صُورَتِهِ، وَكَمْ مِنْ عَمَلٍ صُورَتُهُ لَعِبٌ أَوْ هَزْلٌ، وَحَقِيقَتُهُ حِكْمَةٌ وَجَدٌّ، وَكَمْ مِنْ عَمَلٍ هُوَ عَكْسُ ذَلِكَ كَالْعَمَلِ الْفَاسِدِ الَّذِي يَقْصِدُ بِهِ مَا يَظُنُّ أَنَّهُ نَافِعٌ وَهُوَ ضَارٌّ، وَمَا يَتَوَهَّمُ أَنَّهُ حِكْمَةٌ وَهُوَ عَبَثٌ وَخَرْقٌ، وَقَدْ يَكُونُ إِطْلَاقُ اللَّعِبِ عَلَى أَعْمَالِ هَؤُلَاءِ الْجَاهِلِينَ الْغَافِلِينَ مِنْ هَذَا الْبَابِ؛ أَيْ: أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُنَا فِي وَقْتِ الضُّحَى، وَهُمْ مُنْهَمِكُونَ فِي أَعْمَالِهِمُ الَّتِي تُعَدُّ مِنْ قَبِيلِ لَعِبِ الْأَطْفَالِ لِعَدَمِ فَائِدَةٍ تَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مُطْلَقًا، أَوْ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا كَانَ يَجِبُ تَقْدِيمُهُ عَلَيْهَا مِنْ سُلُوكِ سَبِيلِ السَّلَامَةِ مِنَ الْعَذَابِ؟ !

فَأَمَّا أَهْلُ الْقُرَى مِنَ الْغَابِرِينَ فَالظَّاهِرُ مَا حَكَاهُ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا آمِنِينَ إِتْيَانَ هَذَا الْعَذَابِ لَيْلًا وَنَهَارًا، فَكَانَ إِتْيَانُهُ إِيَّاهُمْ فَجْأَةً فِي وَقْتٍ لَا يَتَّسِعُ لِتَلَاقِيهِ وَتَدَارُكِهِ، فَالِاسْتِفْهَامُ لَا يَظْهَرُ فِي شَأْنِهِمْ إِلَّا بِتَأَوُّلٍ لَا يَحْتَاجُ إِلَى مِثْلِهِ فِي أَهْلِ الْقُرَى الْحَاضِرِينَ، وَمَنْ سَيَكُونُ فِي حُكْمِهِمْ مِنَ الْآتِينَ، وَالْمُرَادُ: أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يَأْمَنُوا لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، فَإِنَّ وُجُودَ النِّعَمِ لَيْسَ دَلِيلًا عَلَى دَوَامِهَا، فَكَمْ مِنْ نِعْمَةٍ زَالَتْ بِكُفْرِ أَهْلِهَا، وَهَذَا مَا كَانَ يَجْهَلُهُ الَّذِينَ قَالُوا: قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ، فَرَأَوْا صُورَةَ الْوَاقِعِ وَجَهِلُوا أَسْبَابَهُ، وَأَمَّا الْحَاضِرُونَ فَلَا يُعْذَرُونَ بِالْجَهْلِ بَعْدَ أَنْ بَيَّنَ لَهُمُ الْقُرْآنُ كُنْهَ الْأَمْرِ، وَسُنَنَ اللهِ فِي الْخَلْقِ، وَلَكِنَّ أَدْعِيَاءَ

<<  <  ج: ص:  >  >>