للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْوُرُودُ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ بُلُوغُ الْمَاءِ وَمُوَافَاتُهُ فِي مَوْرَدِهِ مِنْ نَهَرٍ وَغَيْرِهِ، وَالْوِرْدِ بِالْكَسْرِ اسْمُ الْمَصْدَرِ، وَيُطْلَقُ عَلَى الْمَاءِ، يُقَالُ: وَرَدَ الْبَعِيرُ أَوْ غَيْرُهُ الْمَاءَ يَرِدُهُ وِرْدًا فَهُوَ وَارِدٌ وَالْمَاءُ مَوْرُودٌ، أَوْرَدَهُ إِيَّاهُ إِيرَادًا جَعَلَهُ يَرِدُهُ، وَمِنْهُ وُرُودُ جَهَنَّمَ بِمَعْنَى دُخُولِهَا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - فِي الْآيَةِ: الْوُرُودُ الدُّخُولُ. وَقَالَ: الْوُرُودُ فِي الْقُرْآنِ أَرْبَعَةُ أَوْرَادٍ، فِي هُودٍ قَوْلُهُ: - وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ - ٩٨ وَفِي مَرْيَمَ: - وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا - ١٩: ٧١ وَوَرَدَ فِي الْأَنْبِيَاءِ: - حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ - ٢١: ٩٨ وَوَرَدَ فِي مَرْيَمَ أَيْضًا: - وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا - ١٩: ٨٦ وَكَانَ يَقُولُ: وَاللهِ لَيَرِدَنَّ جَهَنَّمَ كُلُّ بَرٍّ وَفَاجِرٍ - ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا -

١٩: ٧٢.

- وَأُتْبِعُوا فِي هَذِهِ لَعْنَةً - أَيْ: وَأُلْحِقَتْ بِهِمْ فِي الدُّنْيَا لَعْنَةٌ أَتْبَعَهُمُ اللهُ إِيَّاهَا بِقَوْلِهِ: - وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ - ٢٨: ٤٢ وَقَالَ هُنَا: - وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ - أَيْ وَأُتْبِعُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَعْنَةً أُخْرَى، فَهُمْ يُلْعَنُونَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَقَدْ سَمَّى هَذِهِ رِفْدًا ; تَهَكُّمًا بِهِمْ فَقَالَ: - بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ - الرِّفْدُ (بِالْكَسْرِ) فِي أَصْلِ اللُّغَةِ الْعَطَاءُ وَالْعَوْنُ: يُقَالُ: رَفَدَهُ (مِنْ بَابِ ضَرَبَ) أَعَانَهُ وَأَعْطَاهُ، وَأَرْفَدَهُ مِثْلُهُ، أَوْ جَعَلَ لَهُ رِفْدًا يَتَنَاوَلُهُ شَيْئًا فَشَيْئًا، فَرَفَدَهُ وَأَرْفَدُهُ كَسَقَاهُ وَأَسْقَاهُ، - وَبِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ - أَيِ الْعَطَاءُ الْمُعْطَى هَذِهِ اللَّعْنَةَ الَّتِي أُتْبِعُوهَا، وَحَكَى الْمَاوَرْدِيُّ عَنِ الْأَصْمَعِيِّ أَنَّ الرَّفْدَ بِالْفَتْحِ، الْقَدَحُ وَبِالْكَسْرِ مَا فِيهِ مِنَ الشَّرَابِ، هُوَ تَفْسِيرٌ لِلْعَامِّ بِالْخَاصِّ مُنَاسِبٌ لِلْوِرْدِ الْمَوْرُودِ قَبْلَهُ. أَيْ بِئْسَ مَا يُسْقَوْنَهُ فِي النَّارِ عِنْدَمَا يَرِدُونَهَا ذَلِكَ الشَّرَابُ الَّذِي يُسْقَوْنَهُ فِيهَا، وَهُوَ مَا وَصَفَهُ اللهُ - تَعَالَى - بِقَوْلِهِ: - وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ - ٤٧: ١٥.

وَالْعِبْرَةُ فِي الْآيَاتِ: أَنَّهُ لَا يَزَالُ يُوجَدُ فِي الْبَشَرِ فَرَاعِنَةٌ يُغْوُونَ النَّاسَ وَيَسْتَخِفُّونَهُمْ وَيَسْتَعْبِدُونَهُمْ فَيُطِيعُونَهُمْ وَيَذِلُّونَ لَهُمْ ذُلَّ الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ، وَالْحِمَارِ لِرَاكِبِهِ، وَالْحَيَوَانِ لِمَالِكِهِ، وَلَمْ يَسْتَفِيدُوا شَيْئًا مِنْ هِدَايَةِ الْقُرْآنِ وَرُشْدِهِ، وَتَجْهِيلِهِ لِقَوْمِ فِرْعَوْنَ فِي اتِّبَاعِ أَمْرِهِ، مَعَ وَصْفِهِ بِقَوْلِهِ: - وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ - ٩٧ وَبَيَانِ أَنَّهُ كَانَ سَبَبًا لَإِتْبَاعِهِمْ لَعْنَةً فِي الدُّنْيَا وَلَعْنَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَنَّهُ سَيَقُودُهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَى النَّارِ، كَمَا قَادَهُمْ فِي الدُّنْيَا إِلَى الْغَيِّ وَالْفَسَادِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَدَّعُونَ الْإِسْلَامَ وَلَمْ يَفْقَهُوا قَوْلَ اللهِ - تَعَالَى - لِرَسُولِهِ فِي آيَةِ مُبَايَعَةِ النِّسَاءِ - وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ - ٦٠: ١٢ وَقَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لَا طَاعَةَ لِأَحَدٍ فِي مَعْصِيَةِ اللهِ " إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>