وَقَدْ كَانَتِ الْعَرَبُ - بَدْوُهَا وَحَضَرُهَا - تَفْهَمُ مِنْ وَضْعِ أَسْمَاءِ اللهِ تَعَالَى فِي الْآيَاتِ بِحَسَبِ الْمُنَاسَبَةِ مَا لَا يَفْهَمُهُ أَمْثَالُ الرَّازِيِّ عَلَى إِمَامَتِهِ فِي الْعُلُومِ وَالْفُنُونِ الْعَرَبِيَّةِ، وَاطِّلَاعِهِ عَلَى مَا نَقَلَ عَنْهُمْ فِي هَذَا الْبَابِ. وَمِنْ ذَلِكَ مَا نَقَلَهُ عَنِ الْأَصْمَعِيِّ فِي تَفْسِيرِ آيَةِ السَّرِقَةِ، قَالَ: " قَالَ الْأَصْمَعِيُّ: كُنْتُ أَقْرَأُ سُورَةَ الْمَائِدَةِ وَمَعِي أَعْرَابِيٌّ، فَقَرَأْتُ هَذِهِ الْآيَةَ ; فَقُلْتُ: " وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ " سَهْوًا، فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ: كَلَامُ مَنْ هَذَا؟ فَقُلْتُ: كَلَامُ اللهِ، قَالَ: أَعِدْ، فَأَعَدْتُ: " وَاللهٌ غَفُورٌ رَحِيمٌ "، ثُمَّ تَنَبَّهْتُ، فَقُلْتُ: (وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) فَقَالَ: الْآنَ أَصَبْتَ، فَقُلْتُ: كَيْفَ عَرَفْتَ؟ قَالَ: يَا هَذَا (عَزِيزٌ حَكِيمٌ) فَأَمَرَ بِالْقَطْعِ، فَلَوْ غَفَرَ وَرَحِمَ لَمَا أَمَرَ بِالْقَطْعِ. انْتَهَى. فَقَدْ فَهِمَ الْأَعْرَابِيُّ الْأُمِّيُّ أَنَّ مُقْتَضَى الْعِزَّةِ وَالْحِكْمَةِ غَيْرُ مُقْتَضَى الْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ، وَأَنَّ اللهَ تَعَالَى يَضَعُ كُلَّ اسْمٍ مَوْضِعَهُ مِنْ كِتَابِهِ ; لِيَدُلَّ عَلَى مُتَعَلِّقِهِ فِي خَلْقِهِ، وَلَمْ يَتَأَمَّلِ الرَّازِيُّ فِي كَلَامِ الْأَعْرَابِيِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، بَلْ مِنْ وَجْهِ بَلَاغَةِ الْمُنَاسَبَاتِ فَقَطْ. وَسُبْحَانَ مَنْ لَا يَغْفُلُ وَلَا يَذْهَلُ، وَلَا يَضِلُّ وَلَا يَنْسَى.
(يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute