للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ)

بَعْدَ أَنْ أَنْكَرَ التَّنْزِيلُ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ تَحْرِيمَ زِينَةِ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ - قَفَّى عَلَيْهِ بِبَيَانِ أُصُولِ الْمُحَرَّمَاتِ الْعَامَّةِ الَّتِي حَرَّمَهَا لِضَرَرٍ ثَابِتٍ لَازِمٍ لَهَا لَا لِعِلَّةٍ عَارِضَةٍ، وَكُلُّهَا مِنْ أَعْمَالِهِمُ الْكَسْبِيَّةِ لَا مِنْ مَوَاهِبِهِ وَنِعَمِهِ الْخَلْقَيْهِ لِيُعْلَمَ أَنَّهُ لَهُ الْحَمْدُ وَالشُّكْرُ لَمْ يُحَرِّمْ عَلَى النَّاسِ إِلَّا مَا هُوَ ضَارٌّ بِهِمْ دُونَ مَا هُوَ نَافِعٌ لَهُمْ فَقَالَ:

(قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) هَذَا كَلَامٌ مُسْتَأْنَفٌ لِبَيَانِ مَا حَرَّمَهُ اللهُ تَعَالَى بَعْدَ إِنْكَارِ أَنْ يَكُونَ حَرَّمَ الزِّينَةَ وَالطَّيِّبَاتِ؛ لِأَنَّ الْحَالَ تَقْتَضِي أَنْ يَسْأَلَ عَنْهُ وَالْمَعْنَى: قُلْ أَيُّهَا الرَّسُولُ لِهَؤُلَاءِ

الْمُشْرِكِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ، وَكَذَبُوا عَلَى اللهِ بِزَعْمِهِمْ أَنَّهُ حَرَّمَ عَلَى عِبَادِهِ مَا أَخْرَجَ لَهُمْ مِنْ نِعَمِ الزِّينَةِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ وَكَذَا لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ: إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي فِي كُتُبِهِ، عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِهِ هَذِهِ الْأَنْوَاعَ الْخَمْسَةَ أَوِ السِّتَّةَ مِنْ أَعْمَالِهِمُ الضَّارَّةِ الَّتِي يَجْنُونَ بِهَا عَلَى أَنْفُسِهِمْ، فَجَعَلَ تَحْرِيمَهَا هُوَ الدَّائِمَ الَّذِي لَا يُبَاحُ بِحَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْحَصْرُ بِـ (إِنَّمَا) وَهِيَ:

١، ٢: الْفَوَاحِشُ الظَّاهِرَةُ وَالْبَاطِنَةُ - فَالْفَوَاحِشُ جَمْعُ فَاحِشَةٍ، وَهِيَ الْفَعْلَةُ أَوِ الْخَصْلَةُ الَّتِي فَحُشَ قُبْحُهَا فِي الْفِطَرِ السَّلِيمَةِ وَالْعُقُولِ الرَّاجِحَةِ الَّتِي تُمَيِّزُ بَيْنَ الْحَسَنِ وَالْقَبِيحِ وَالضَّارِّ وَالنَّافِعِ، وَكَانُوا يُطْلِقُونَهَا عَلَى الزِّنَا وَاللِّوَاطِ وَالْبُخْلِ الشَّدِيدِ وَعَلَى الْقَذْفِ بِالْفَحْشَاءِ وَالْبَذَاءِ الْمُتَنَاهِي فِي الْقُبْحِ، وَتَقَدَّمَ تَفْصِيلُ الْقَوْلِ فِي الْفَوَاحِشِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ فِي تَفْسِيرِ (٦: ١٥١) وَهِيَ مِنْ آيَاتِ الْوَصَايَا الْعَشْرِ فِي أَوَاخِرِ سُورَةِ الْأَنْعَامِ، وَفِيهِ إِحَالَةٌ فِي تَفْسِيرِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ عَلَى تَفْسِيرِ (وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ) (٦: ١٢٠) مِنْ تِلْكَ السُّورَةِ.

٣ و٤: الْإِثْمُ وَالْبَغْيُ - تَقَدَّمَ أَنَّ الْإِثْمَ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْقَبِيحُ الضَّارُّ فَهُوَ يَشْمَلُ جَمِيعَ الْمَعَاصِي: الْكَبَائِرِ مِنْهَا كَالْفَوَاحِشِ وَالْخَمْرِ. وَالصَّغَائِرِ كَالنَّظَرِ وَاللَّمْسِ بِشَهْوَةٍ لِغَيْرِ الْحَلِيلَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>