وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ بَيَّنَ اللهُ تَعَالَى لَنَا فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ حَالَ الْمَخْلُوقِينَ لِجَهَنَّمَ فِي عَدَمِ اسْتِعْمَالِ عُقُولِهِمْ وَمَشَاعِرِهِمْ فِي الِاعْتِبَارِ بِآيَاتِ اللهِ، وَالتَّفَقُّهِ فِي تَزْكِيَةِ أَنْفُسِهِمْ بِالْعِلْمِ الصَّحِيحِ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ الصَّالِحُ، وَأَنَّ ذَلِكَ الْإِهْمَالَ أَعْقَبَهُمُ الْغَفْلَةَ التَّامَّةَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ، وَمَا فِيهِ صَلَاحُهَا مِنْ ذِكْرِ اللهِ تَعَالَى وَشُكْرِهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ - وَقَفَّى عَلَى ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِدَوَاءِ هَذِهِ الْغَفْلَةِ، وَأَقْرَبِ الْوَسَائِلِ لِلْمَخْرَجِ مِنْهَا إِلَى ضِدِّهَا فَقَالَ:
وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا الْأَسْمَاءُ جَمْعُ اسْمٍ، وَهُوَ اللَّفْظُ الدَّالُّ عَلَى الذَّاتِ فَقَطْ، أَوْ عَلَى الذَّاتِ مَعَ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهَا، سَوَاءٌ كَانَ مُشْتَقًّا، كَالرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْخَالِقِ الرَّازِقِ، أَوْ مَصْدَرًا، كَالرَّبِّ وَالسَّلَامِ وَالْعَدْلِ. وَالْحُسْنَى جَمْعُ أَحْسَنَ، وَالْمَعْنَى:
وَلِلَّهِ دُونَ غَيْرِهِ جَمِيعُ الْأَسْمَاءِ الدَّالَّةِ عَلَى أَحْسَنِ الْمَعَانِي وَأَكْمَلِ الصِّفَاتِ، فَادْعُوهُ أَيْ سَمُّوهُ وَاذْكُرُوهُ وَنَادُوهُ بِهَا، لِمُجَرَّدِ الثَّنَاءِ، وَعِنْدَ السُّؤَالِ وَطَلَبِ الْحَاجَاتِ، فَمِنَ الذِّكْرِ لِمَحْضِ الثَّنَاءِ آيَةُ الْكُرْسِيِّ: اللهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (٢: ٢٥٥) إِلَخْ. وَآخِرُ سُورَةٍ الْحَشْرِ: هُوَ اللهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ هُوَ اللهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ هُوَ اللهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٥٩: ٢٢ - ٢٤) وَقَدْ وَرَدَ فِي السُّنَّةِ الدُّعَاءُ بِهَذِهِ الْآيَاتِ، وَأَنْ يَقُولَ قَبْلَهَا " أَعُوذُ بِاللهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ، مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ - ثَلَاثَ مَرَّاتٍ " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالدَّارِمِيُّ وَابْنُ السُّنِّيِّ مِنْ حَدِيثِ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ.
وَلِلذِّكْرِ الْمَحْضِ فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ فِي تَغْذِيَةِ الْإِيمَانِ، وَمُرَاقَبَةِ اللهِ تَعَالَى وَحُبِّهِ وَالْخُشُوعِ لَهُ، وَالرَّغْبَةِ فِيمَا عِنْدَهُ، وَاحْتِقَارِ مَصَائِبِ الدُّنْيَا، وَقِلَّةِ الْمُبَالَاةِ وَالتَّأَلُّمِ لِمَا يَفُوتُ الْمُؤْمِنَ مِنْ نَعِيمِهَا، وَلِذَلِكَ وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: مَنْ نَزَلَ بِهِ غَمٌّ أَوْ كَرْبٌ أَوْ أَمْرٌ مُهِمٌّ فَلْيَقُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ.
وَمِنَ الذِّكْرِ بِصِيغَةِ النِّدَاءِ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَمِعَ رَجُلًا وَهُوَ يَقُولُ
"
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute