للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) .

(مَسْأَلَةُ الْمُرَاوَدَةِ وَالْهَمِّ وَالْمُطَارَدَةِ) :

(وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ) هَذِهِ الْجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ وَصِيَّةِ الْعَزِيزِ لِامْرَأَتِهِ بِإِكْرَامِ مَثْوَاهُ، وَمَا عَلَّلَهَا بِهِ مِنْ حُسْنِ الرَّجَاءِ فِيهِ، وَمَا بَيَّنَهُ اللهُ - تَعَالَى - مِنْ عِنَايَتِهِ بِهِ وَتَمْهِيدِ سَبِيلِ الْكَمَالِ لَهُ بِتَمْكِينِهِ فِي الْأَرْضِ، يَقُولُ: إِنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا نَظَرَتْ إِلَيْهِ بِغَيْرِ الْعَيْنِ الَّتِي نَظَرَ إِلَيْهِ بِهَا زَوْجُهَا، وَأَرَادَتْ مِنْهُ غَيْرَ مَا أَرَادَهُ هُوَ وَمَا أَرَادَهُ اللهُ مِنْ فَوْقِهِمَا، هُوَ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ قَهْرَمَانًا أَوْ وَلَدًا لَهُمَا، وَاللهُ أَرَادَ أَنْ يُمَكِّنَ لَهُ فِي الْأَرْضِ وَيَجْعَلَهُ سَيِّدَ الْبِلَادِ كُلِّهَا، وَهِيَ أَرَادَتْ أَنْ يَكُونَ عَشِيقًا لَهَا، وَرَاوَدَتْهُ عَنْ نَفْسِهِ، أَيْ خَادَعَتْهُ عَنْهَا وَرَاوَغَتْهُ؛ لِأَجْلِ أَنْ يَرُودَ أَوْ يُرِيدَ مِنْهَا مَا تُرِيدُ هِيَ مِنْهُ مُخَالِفًا لِإِرَادَتِهِ هُوَ وَإِرَادَةِ رَبِّهِ (وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ) ٢١ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ: أَرَادَ الرَّجُلُ كَذَا إِرَادَةً وَهُوَ الطَّلَبُ وَالِاخْتِيَارُ، وَرَاوَدَتْهُ عَلَى الْأَمْرِ مُرَاوَدَةً وَرَوَادًا ((مِنْ بَابِ قَاتَلَ)) طَلَبَتْ مِنْهُ فِعْلَهُ، وَكَأَنَّ فِي الْمُرَاوَدَةِ مَعْنَى الْمُخَادَعَةِ؛ لِأَنَّ الْمُرَاوِدَ يَتَلَطَّفُ فِي طَلَبِهِ تَلَطُّفَ الْمُخَادِعِ وَيَحْرِصُ حِرْصَهُ.

وَقَالَ الرَّاغِبُ:

الْمُرَاوَدَةُ أَنْ تُنَازِعَ غَيْرَكَ فِي الْإِرَادَةِ فَتُرِيدُ غَيْرَ مَا يُرِيدُ، أَوْ تَرُودُ غَيْرَ مَا يَرُودُ، وَذَكَرَ شَوَاهِدَ الْآيَاتِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ وَمِنْهَا قَوْلُ إِخْوَةِ يُوسُفَ لَهُ: (سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ) ٦١ أَيْ نَحْتَالُ عَلَيْهِ وَنَخْدَعُهُ عَنْ إِرَادَتِهِ لِيُرْسِلَ أَخَاهُ مَعَنَا. وَقَالَ فِي أَسَاسِ الْبَلَاغَةِ: وَرَاوَدَهُ عَنْ نَفْسِهِ خَادَعَهُ عَنْهَا وَرَاوَغَهُ، وَقَالَ فِي الْكَشَّافِ: الْمُرَاوَدَةُ مُفَاعَلَةٌ مِنْ رَادَ يَرُودُ إِذَا جَاءَ وَذَهَبَ، كَأَنَّ الْمَعْنَى خَادَعَتْهُ عَنْ نَفْسِهِ، أَيْ فَعَلَتْ مَا يَفْعَلُ الْمُخَادِعُ عَنِ الشَّيْءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>