لَهُمْ كَثِيرٌ مِنَ الْمَنَافِعِ الْمَادِّيَّةِ وَالْمَعْنَوِيَّةِ مِنْ هَؤُلَاءِ الْمَسَاكِينِ، وَأَكْثَرُ الْبَشَرِ لَا يَزَالُونَ جَاهِلِينَ يَخْضَعُونَ لِهَؤُلَاءِ الزُّعَمَاءِ الْمُلَبِّسِينَ، فَهُوَ يَقُولُ: هَذَا مَتَاعٌ قَلِيلٌ - أَوْ لَهُمْ مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا حَقِيرٌ يَتَلَهَّوْنَ بِهِ فِي حَيَاةٍ قَصِيرَةٍ، فَأَمَّا قِلَّتُهُ وَحَقَارَتُهُ فَيَدُلُّ عَلَيْهَا تَنْكِيرُهُ مَعَ الْقَرِينَةِ، وَأَمَّا قِصَرُ الْحَيَاةِ الَّتِي يَكُونُ فِي بَعْضِهَا فَمَعْلُومٌ بِالِاخْتِيَارِ، فَمَهْمَا يَبْلُغْ هَذَا الْمَتَاعُ مِنْ كَثْرَةِ الْمَالِ وَعَظَمَةِ الْجَاهِ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ، فَلَا يَكُونُ إِلَّا قَلِيلًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا عِنْدَ اللهِ فِي الْآخِرَةِ لِلصَّادِقِينَ الْمُتَّقِينَ كَمَا صَرَّحَتْ بِهِ الْآيَاتُ الْكَثِيرَةُ، وَبِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا لَهُمْ مِنْ ضِدِّ ذَلِكَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي قَوْلِهِ: (ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ) بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَمَا فِيهِ مِنْ أَهْوَالِ الْحَشْرِ وَالْحِسَابِ وَالْعَرْضِ (ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ) بِآيَاتِنَا وَنِعَمِنَا، وَبِالِافْتِرَاءِ عَلَيْنَا، وَتَكْذِيبِ رُسُلِنَا أَوِ الْكَذِبِ عَلَيْهِمْ بَعْدَ أَنْ تَقُومَ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةُ فِي الْحِسَابِ بِأَنَّهُمْ يَسْتَحِقُّونَهُ بِظُلْمِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّنَا لَا نَظْلِمُهُمْ شَيْئًا، وَتَقَدَّمَ ذِكْرُ الرُّجُوعِ إِلَيْهِ تَعَالَى وَمَا يَلِيهِ مِنَ الْجَزَاءِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ وَغَيْرِهَا.
(وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللهِ فَعَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنْظِرُونِ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ) .
هَذَا سِيَاقٌ جَدِيدٌ مُتَّصِلٌ بِمَا سَبَقَ مِنْ مَقَاصِدِ هَذِهِ السُّورَةِ أَتَمَّ الِاتِّصَالِ، بِتَفْصِيلِهِ لِبَعْضِ مَا فِيهَا مِنْ إِجْمَالٍ، وَهُوَ الِاحْتِجَاجُ عَلَى مُشْرِكِي مَكَّةَ وَمَا حَوْلَهَا وَسَائِرِ مَنْ تَبْلُغُهُمُ الدَّعْوَةُ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ، بِأَنَّ اللهَ تَعَالَى سَيَخْذُلُهُمْ وَيَنْصُرُ رَسُولَهُ عَلَيْهِمْ كَمَا نَصَرَ مَنْ قَبْلَهُ مِنَ الرُّسُلِ عَلَى أَقْوَامِهِمُ الْمُجْرِمِينَ، فَأَهْلَكَهُمْ وَأَنْجَى الْمُؤْمِنِينَ، فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِهَا قَوْلُهُ: (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا) (١٣)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute