للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَقُولُ هَذَا وَإِنَّ الْجَاهِلِينَ بِتَارِيخِ الْإِسْلَامِ وَأَحْوَالِ الْأُمَمِ وَالدُّوَلِ إِلَى هَذَا الزَّمَانِ يَظُنُّونَ أَنَّ الصَّحَابَةَ - رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ - كَانُوا مَلُومِينَ فِي أَخْذِ الْغَنَائِمِ مِمَّنْ يَظْفَرُونَ بِهِمْ، وَأَنَّ بَعْضَ أُمَمِ الْحَضَارَةِ صَارَتْ أَرْقَى فِي هَذَا الْأَمْرِ مِنْهُمْ، وَأَنَّ قَوَانِينَهَا فِي الْحَرْبِ أَقْرَبُ إِلَى النَّزَاهَةِ وَالْعَدْلِ مِنْ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ، وَكَيْفَ هَذَا وَقَوَانِينُ الدُّوَلِ الْمُرْتَقِيَةِ كُلِّهَا تُبِيحُ أَخْذَ كُلِّ مَا تَصِلُ إِلَيْهِ الْيَدُ مِنْ أَمْوَالِ الْمُحَارِبِينَ؟ لَا يَصُدُّهُمْ عَنْ ذَلِكَ سَلَامٌ وَلَا دِينٌ، وَقَدْ عَلِمْتَ مِنْ هَذِهِ الْآيَاتِ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَمْنَعُ قَتْلَ مَنْ يُظْهِرُ الْإِسْلَامَ، وَمَنْ يُلْقِي السَّلَمَ أَوِ السَّلَامَ، وَمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْلِمِينَ عَهْدٌ وَمِيثَاقٌ إِمَّا عَلَى الْمُنَاصَرَةِ وَإِمَّا عَلَى تَرْكِ الْقِتَالِ، وَمَنِ اتَّصَلَ بِأَهْلِ الْمِيثَاقِ الْمُعَاهِدِينَ، وَمَنِ اعْتَزَلَ الْقِتَالَ فَلَمْ يُسَاعِدْ

فِيهِ قَوْمَهُ الْمُقَاتِلِينَ، وَبَعْدَ هَذَا كُلِّهِ رَغِبَ عَنِ ابْتِغَاءِ عَرَضِ الدُّنْيَا بِالْقِتَالِ ; لِيَكُونَ لِمَحْضِ رَفْعِ الْبَغْيِ وَالْعُدْوَانِ، وَتَقْرِيرِ الْحَقِّ وَالْإِصْلَاحِ، وَلَا هَمَّ لِجَمِيعِ الدُّوَلِ وَالْأُمَمِ الْآنَ إِلَّا الرِّبْحَ وَجَمْعَ الْأَمْوَالِ، وَهُمْ يَنْقُضُونَ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ مَعَ الضُّعَفَاءِ، وَلَا يَلْتَزِمُونَ حِفْظَ الْمُعَاهَدَاتِ إِلَّا مَعَ الْأَقْوِيَاءِ، وَهُوَ مَا شَدَّدَ الْإِسْلَامُ فِي حِفْظِهِ، وَحَافَظَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي عَهْدِهِ، وَحَافَظَ عَلَيْهِ خُلَفَاؤُهُ الرَّاشِدُونَ مِنْ بَعْدِهِ، فَأَيْنَ أَرْقَى أُمَمِ الْمَدَنِيَّةِ مِنْ أُولَئِكَ الْأَئِمَّةِ الْمَهْدِيِّينَ! ؟ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ.

لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا.

مَضَتْ سُنَّةُ الْقُرْآنِ فِي مَزْجِ آيَاتِ الْأَحْكَامِ الْعَمَلِيَّةِ بِمَا يُرَغِّبُ فِي الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وَيُنَشِّطُ عَلَيْهَا، وَيُحَفِّزُ الْهِمَمَ إِلَيْهَا، وَيُنَفِّرُ مِنَ الْقُعُودِ عَنْهَا، وَالتَّكَاسُلِ وَالتَّوَاكُلِ فِيهَا، وَعَلَى هَذِهِ السُّنَّةِ جَاءَتْ هَاتَانِ الْآيَتَانِ بَيْنَ آيَاتِ أَحْكَامِ الْقِتَالِ، فَهُمَا مُتَّصِلَتَانِ بِهَا أَتَمَّ الِاتِّصَالِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>