للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَا عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يُمَدُّوا بِهِمْ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اللهُ أَمَدَّهُمْ عَلَى نَحْوِ مَا رَوَاهُ الَّذِينَ أَثْبَتُوا أَنَّ اللهَ أَمَدَّهُمْ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اللهُ لَمْ يُمِدَّهُمْ عَلَى نَحْوِ الَّذِي ذَكَرَهُ مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ وَلَا خَبَرَ عِنْدَنَا صَحَّ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي يُثْبِتُ أَنَّهُمْ أُمِدُّوا بِالثَّلَاثَةِ الْآلَافِ وَلَا بِالْخَمْسَةِ الْآلَافِ وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يُقَالَ فِي ذَلِكَ قَوْلٌ إِلَّا بِخَبَرٍ تَقُومُ الْحُجَّةُ بِهِ، وَلَا خَبَرَ بِهِ فَنُسَلِّمُ لِأَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ قَوْلَهُ، غَيْرَ أَنَّ فِي الْقُرْآنِ دَلَالَةً عَلَى أَنَّهُمْ قَدْ أُمِدُّوا يَوْمَ بَدْرٍ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَذَلِكَ قَوْلُهُ: إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدَفِينَ [٨: ٩] أَمَّا فِي أُحُدٍ فَالدَّلَالَةُ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يُمَدُّوا أَبْيَنُ مِنْهَا فِي أَنَّهُمْ أُمِدُّوا، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَوْ أُمِدُّوا لَمْ يُهْزَمُوا وَيُنَلْ مِنْهُمْ مَا نِيلَ مِنْهُمْ " اهـ.

أَقُولُ: مَا مَعْنَى هَذَا الْإِمْدَادِ بِالْمَلَائِكَةِ فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ إِمْدَادِ الْعَسْكَرِ بِمَا يَزِيدُ عَدَدَهُمْ أَوْ عُدَّتَهُمْ وَقُوَّتَهُمْ وَلَوِ النَّفْسِيَّةَ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ وَهَاكَ بَيَانُهُ.

إِمْدَادٌ: مِنَ الْمَدِّ. وَالْمَدُّ فِي الْأَصْلِ: عِبَارَةٌ عَنْ بَسْطِ الشَّيْءِ كَمَدِّ الْيَدِ وَالْحَبْلِ، أَوْ عَنِ

الزِّيَادَةِ فِي مَادَّتِهِ كَمَدِّ النَّهْرِ بِنَهْرٍ أَوْ سَيْلٍ آخَرَ. قَالَ - تَعَالَى -: أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ [٢٣: ٥٥، ٥٦] فَالْإِمْدَادُ يَكُونُ بِالْمَالِ وَهُوَ مَا يُتَمَوَّلُ وَيُنْتَفَعُ بِهِ، وَيَكُونُ بِالْأَشْخَاصِ. وَالْإِمْدَادُ بِالْمَلَائِكَةِ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَبِيلِ الْإِمْدَادِ بِالْمَالِ الَّذِي يَزِيدُ فِي قُوَّةِ الْقَوْمِ وَأَنْ يَكُونَ مِنَ الْإِمْدَادِ بِالْأَشْخَاصِ الَّذِينَ يُنْتَفَعُ بِهِمْ وَلَوْ نَفْعًا مَعْنَوِيًّا، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ أَرْوَاحٌ تُلَابِسُ النُّفُوسَ فَتُمِدُّهَا بِالْإِلْهَامَاتِ الصَّالِحَةِ الَّتِي تُثَبِّتُهَا وَتُقَوِّي عَزِيمَتَهَا، وَلِذَلِكَ قَالَ - عَزَّ وَجَلَّ -: وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: يَعْنِي - تَعَالَى ذِكْرُهُ - وَمَا جَعَلَ اللهُ وَعْدَهُ إِيَّاكُمْ مَا وَعَدَكُمْ بِهِ مِنْ إِمْدَادِهِ إِيَّاكُمْ بِالْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ ذَكَرَ عَدَدَهُمْ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ يُبَشِّرُكُمْ بِهَا وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ يَقُولُ: وَكَيْ تَطْمَئِنَّ بِوَعْدِهِ الَّذِي وَعَدَكُمْ مِنْ ذَلِكَ قُلُوبُكُمْ فَتَسْكُنَ إِلَيْهِ وَلَا تَجْزَعَ مِنْ كَثْرَةِ عَدَدِ عَدُوِّكُمْ وَقِلَّةِ عَدَدِكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ يَعْنِي وَمَا ظَفَرُكُمْ إِنْ ظَفَّرْتُكُمْ بِعَدُوِّكَمْ إِلَّا بِعَوْنِ اللهِ لَا مِنْ قِبَلِ الْمَدَدِ الَّذِي يَأْتِيكُمْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ اهـ.

وَأَقُولُ: الظَّاهِرُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ وَمَا جَعَلَ اللهُ ذَلِكَ الْقَوْلَ الَّذِي قَالَهُ لَكُمُ الرَّسُولُ وَهُوَ (أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ) إِلَخْ إِلَّا بُشْرَى يَفْرَحُ بِهَا رَوْعُكُمْ وَتَنْبَسِطُ بِهَا أَسَارِيرُ وُجُوهِكُمْ وَطُمَأْنِينَةً لِقُلُوبِكُمُ الَّتِي طَرَقَهَا الْخَوْفَ مِنْ كَثْرَةِ عَدُوِّكُمْ وَاسْتِعْدَادِهِمْ. أَيْ إِنَّ قَوْلَ الرَّسُولِ لَهُ هَذَا التَّأْثِيرُ فِي تَقْوِيَةِ الْقُلُوبِ وَتَثْبِيتِ النُّفُوسِ. وَإِنَّمَا أَرْجَعْنَا ضَمِيرَ (جَعَلَهُ) إِلَى قَوْلِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا إِلَى وَعْدِ اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - لِأَنَّ الْآيَتَيْنِ السَّابِقَتَيْنِ لَيْسَتَا وَعْدًا مِنَ اللهِ بِالْإِمْدَادِ بِالْمَلَائِكَةِ، وَإِنَّمَا هُمَا إِخْبَارٌ عَمَّا قَالَهُ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَدْ أَخْبَرَ - تَعَالَى - فِي تَيْنَكِ الْآيَتَيْنِ أَنَّ رَسُولَهُ قَالَ لِأَصْحَابِهِ ذَلِكَ الْقَوْلَ، وَبَيَّنَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَائِدَةَ ذَلِكَ الْقَوْلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>