يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَاءً حَسَنًا إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ
نَبْدَأُ بِتَفْسِيرِ الْأَلْفَاظِ الْغَرِيبَةِ فِي الْآيَاتِ فَنَقُولُ: (الزَّحْفُ) مَصْدَرُ زَحَفَ إِذَا مَشَى عَلَى بَطْنِهِ كَالْحَيَّةِ، أَوْ دَبَّ عَلَى مَقْعَدِهِ كَالصَّبِيِّ، أَوْ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، قَالَ امْرُؤُ الْقَيْسِ:
فَأَقْبَلْتُ زَحْفًا عَلَى الرُّكْبَتَيْنِ ... فَثَوْبٌ لَبِسْتُ وَثَوْبٌ أَجُرُّ
وَالْمَشْيُ بِثِقَلٍ فِي الْحَرَكَةِ وَاتِّصَالٍ وَتَقَارُبٍ فِي الْخَطْوِ كَزَحْفِ الدَّبَى (صِغَارُ الْجَرَادِ قَبْلَ طَيَرَانِهَا) قَالَ فِي الْأَسَاسِ: وَزَحَفَ الْبَعِيرُ وَأَزْحَفَ: أَعْيَا حَتَّى جَرَّ فِرْسِنَهُ، وَزَحَفَ الشَّيْءَ جَرَّهُ جَرًّا ضَعِيفًا، وَزَحَفَ الْعَسْكَرُ إِلَى الْعَدُوِّ: مَشَوْا إِلَيْهِمْ فِي ثِقَلٍ لِكَثْرَتِهِمْ، وَلَقُوهُمْ زَحْفًا، وَتَزَاحَفَ الْقَوْمُ وَزَاحَفْنَاهُمْ، وَأَزْحَفَ لَنَا بَنُو فُلَانٍ صَارُوا لِقِتَالِنَا. انْتَهَى مُلَخَّصًا. وَالزَّحْفُ الْجَيْشُ، وَيُجْمَعُ عَلَى زُحُوفٍ لِخُرُوجِهِ عَنْ مَعْنَى الْمَصْدَرِيَّةِ، وَ (الْأَدْبَارُ) جَمْعُ دُبُرٍ (بِضَمَّتَيْنِ) وَهُوَ الْخَلْفُ، وَمُقَابِلُهُ الْقُبُلُ بِوَزْنِهِ وَهُوَ الْقُدَّامُ ; وَلِذَلِكَ يُكَنَّى بِهِمَا عَنِ السَّوْأَتَيْنِ، وَتَوْلِيَةُ الدُّبُرِ وَالْأَدْبَارِ عِبَارَةٌ عَنِ الْهَزِيمَةِ ; لِأَنَّ الْمُنْهَزِمَ يَجْعَلُ خَصْمَهُ مُتَوَلِّيًا وَمُتَوَجِّهًا إِلَى دُبُرِهِ وَمُؤَخَّرِهِ، وَذَلِكَ أَعْوَنُ لَهُ عَلَى قَتْلِهِ إِذَا أَدْرَكَهُ وَ (الْمُتَحَرِّفُ) لِلْقِتَالِ أَوْ غَيْرِهِ هُوَ الْمُنْحَرِفُ عَنْ جَانِبٍ إِلَى آخَرَ، وَأَصْلُهُ فِي الْحَرْفِ وَهُوَ الطَّرَفُ، وَصِيغَةُ التَّفْعِيلِ تُعْطِيهِ مَعْنَى التَّكَلُّفِ أَوْ مُعَانَاةِ الْفِعْلِ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ أَوْ بِالتَّدْرِيجِ، وَفِي مَعْنَاهُ (الْمُتَحَيِّزُ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute