(قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مَنْ دُونِ اللهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونُنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) .
هَذِهِ الْآيَاتُ الْأَرْبَعُ وَالْآيَتَانِ اللَّتَانِ بَعْدَهَا خَتْمٌ لِلسُّورَةِ بِالنِّدَاءِ الْعَامِّ، فِي الدَّعْوَةِ إِلَى عَقِيدَةِ الْإِسْلَامِ، أَجْمَلَتْ أَمْرًا وَنَهْيًا وَخَبَرًا فِي خَاتِمَتِهَا، كَمَا فَصَّلَتْ فِي جُمْلَتِهَا، قَالَ تَعَالَى: (قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي) أَيْ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ صِحَّةِ دِينِيَ الَّذِي دَعَوْتُكُمْ إِلَيْهِ، أَوْ مِنْ ثَبَاتِي وَاسْتِقَامَتِي عَلَيْهِ، وَتَرْجُونَ تَحْوِيلِي عَنْهُ (فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) أَيْ فَلَا أَعْبُدُ فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ، وَلَا حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ، أَحَدًا مِنَ الَّذِينَ تَعْبُدُونَهُمْ غَيْرَ اللهِ، مَنْ مَلَكٍ أَوْ بَشَرٍ ; أَوْ كَوْكَبٍ أَوْ شَجَرٍ أَوْ حَجَرٍ، مِمَّا اتَّخَذْتُمْ مِنَ الْأَصْنَامِ وَالْأَوْثَانِ (وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ) أَيْ يَقْبِضُكُمْ إِلَيْهِ بِالْمَوْتِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فَيُحَاسِبُكُمْ وَيَجْزِيكُمْ، وَلَا يَفْعَلُ أَحَدٌ غَيْرُهُ هَذَا وَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا قَالَ: (إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي) وَشَرْطُهُ يَدُلُّ عَلَى الشَّكِّ فِي شَكِّهِمْ وَهُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَشُكُّ فِيهِ، لِأَنَّهُ نَزَلَّ دِينَهُ مَنْزِلَةَ مَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يَشُكُّوا فِيهِ لِشِدَّةِ ظُهُورِهِ، وَتَأَلُّقِ نُورِهِ، كَمَا بَيَّنَّا مِثْلَهُ فِي تَفْسِيرِ: (وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى
عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ) (٢: ٢٣) الْآيَةَ وَمَا بَعْدَهَا. وَوَصْفُ اللهِ بِتَوَفِّيهِمْ دُونَ غَيْرِهِ مِنْ صِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ، لِتَذْكِيرِ كُلٍّ مِنْهُمْ بِمَا لَا يَشُكُّ فِيهِ مِنْ عَاقِبَةِ أَمْرِهِ، وَأَنَّهُ سَيَكُونُ كَمَا وَعَدَهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) الَّذِينَ وَعَدَهُمُ اللهُ بِالنَّجَاةِ مِنْ عَذَابِهِ، وَيَنْصُرُهُمْ عَلَى أَعْدَائِهِمْ وَأَعْدَائِهِ، وَاسْتِخْلَافِهِمْ فِي أَرْضِهِ، وَإِنَّهُ لَإِيجَازٌ بَلِيغٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute