للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(تَعْلَمُونَ) مَا يَشْمَلُ الظَّنَّ، وَهُوَ احْتِرَاسٌ عَمَّنْ يَأْكُلُ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ حَقُّهُ، وَلِذَلِكَ أَمْثِلَةٌ وَفُرُوعٌ لَا تُحْصَى، ذَكَرَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ فِي الدَّرْسِ مِثْلَ مَا إِذَا عَلِمَ زَيْدٌ

أَنَّ أَبَاهُ أَوْدَعَ لَهُ وَدِيعَةَ كَذَا عِنْدَ فُلَانٍ الَّذِي مَاتَ فَطَالَبَ وَلَدَ الْمَيِّتِ بِذَلِكَ، وَكَانَ هَذَا يَعْتَقِدُ أَنَّ أَبَاهُ تَرَكَهُ تُرَاثًا فَمَنْ حُكِمَ لَهُ بِهِ مِنْهُمَا لَا يُقَالُ: إِنَّهُ أَكَلَهُ بِالْإِثْمِ.

وَذَكَرَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ مَا عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فِي هَذَا الْعَصْرِ، وَلَا سِيَّمَا فِي بِلَادِ مِصْرَ، مِنْ كَثْرَةِ التَّقَاضِي وَالْخِصَامِ، وَالْإِدْلَاءِ إِلَى الْحُكَّامِ، حَتَّى إِنَّ مِنْهُمْ مَنْ لَا يُطَالِبُ غَرِيمَهُ بِحَقِّهِ إِلَّا بِوَاسِطَةِ الْمَحْكَمَةِ، وَلَعَلَّهُ لَوْ طَالَبَهُ لَمَا احْتَاجَ إِلَى التَّقَاضِي، وَمِنْهُمْ مَنْ يُحَاكِمُ الْآخَرَ لِمَحْضِ الِانْتِقَامِ وَالْإِيذَاءِ وَإِنْ أَضَرَّ بِنَفْسِهِ اهـ.

(أَقُولُ) : وَكَمْ مِنْ ثَرْوَةٍ نَفِدَتْ، وَبُيُوتٍ خَرِبَتْ، وَنُفُوسٍ أُهِينَتْ، وَجَمَاعَةٍ فُرِقَّتْ، وَمَا كَانَ لِذَلِكَ مِنْ سَبَبٍ إِلَّا الْخِصَامَ، وَالْإِدْلَاءَ بِالْمَالِ إِلَى الْحُكَّامِ، وَلَوْ تَأَدَّبَ هَؤُلَاءِ النَّاسُ بِآدَابِ الْكِتَابِ الَّذِي يَنْتَسِبُونَ إِلَيْهِ لَكَانَ لَهُمْ مِنْ هِدَايَتِهِ مَا يَحْفَظُ حُقُوقَهُمْ، وَيَمْنَعُ تَقَاطُعَهُمْ وَعُقُوقَهُمْ، وَيَحُلُّ فِيهِمُ التَّرَاحُمُ وَالتَّلَاحُمُ، مَحَلَّ التَّزَاحُمِ وَالتَّلَاحُمِ، وَإِنَّكَ تَرَى مِنْ أَذْكِيَائِهِمْ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُمْ عَنْ هَدْيِ الدِّينِ أَغْنِيَاءٌ، وَقَدْ عَمُوا عَمَّا أَصَابَهُمْ بِتَرْكِهِ مِنَ الْأَرْزَاءِ، فَهُمْ بِالْفِسْقِ عَنْهُ يَتَنَابَذُونَ وَيَتَحَاسَدُونَ، وَيَتَنَافَدُونَ وَيَتَنَاقَدُونَ، وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ، أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ.

(يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ

مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)

ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى حُكْمَ الْأَمْوَالِ عَقِبَ ذِكْرِ أَحْكَامِ الصِّيَامِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْمُنَاسَبَةِ، وَالصِّيَامُ عِبَادَةٌ مَوْقُوتَةٌ لَا يَتَعَدَّى فَرْضُهَا شَهْرَ رَمَضَانَ، وَالْأَمْوَالُ وَسِيلَةٌ لِعِبَادَةِ الْحَجِّ وَهُوَ يَكُونُ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، وَلِعِبَادَةِ الْقِتَالِ مُدَافَعَةً عَنِ الْمِلَّةِ وَالْأُمَّةِ وَهِيَ قَدْ كَانَتْ مَمْنُوعَةٌ فِي هَذِهِ الْأَشْهُرِ، فَنَاسَبَ أَنْ يُعَقِّبَ بَعْدَ أَحْكَامِ الصِّيَامِ وَالْأَمْوَالِ بِذِكْرِ مَا يُشْرَعُ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ مِنَ الْحَجِّ وَمِنَ الْقِتَالِ عِنْدَ الِاعْتِدَاءِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَيَبْدَأُ ذَلِكَ بِذِكْرِ حِكْمَةِ اخْتِلَافِ الْأَهِلَّةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>