للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِتَحَقُّقِ الْأُخُوَّةِ الْعَامَّةِ بَيْنَ النَّاسِ، وَلَنْ يَكُونَ ذَلِكَ إِلَّا بِحُكُومَةِ الْإِسْلَامِ، الَّتِي بَيَّنَّاهَا بِالْإِجْمَالِ فِي هَذَا الْكِتَابِ، وَنَحْنُ مُسْتَعِدُّونَ لِلْمُسَاعَدَةِ عَلَى تَفْصِيلِهَا، إِذَا وَفَّقَ اللهُ لِلْعَمَلِ بِهَا ".

" أَيُّهَا الشَّعْبُ التُّرْكِيُّ الْبَاسِلُ، إِنَّكَ الْيَوْمَ أَقْدَرُ الشُّعُوبِ الْإِسْلَامِيَّةِ عَلَى أَنْ تُحَقِّقَ لِلْبَشَرِ هَذِهِ الْأُمْنِيَةَ، فَاغْتَنِمْ هَذِهِ الْفُرْصَةَ؛ لِتَأْسِيسِ مَجْدٍ إِنْسَانِيٍّ خَالِدٍ، لَا يُذْكَرُ مَعَهُ مَجْدُكَ الْحَرْبِيُّ التَّالِدُ، وَلَا يَجْرِّمَنَّكَ الْمُتَفَرْنِجُونَ عَلَى تَقْلِيدِ الْإِفْرِنْجِ فِي سِيرَتِهِمْ، وَأَنْتَ أَهْلٌ لِأَنْ تَكُونَ إِمَامًا لَهُمْ بِمَدَنِيَّةٍ خَيْرٍ مِنْ مَدَنِيَّتِهِمْ، وَمَا ثَمَّ إِلَّا الْمَدَنِيَّةُ الْإِسْلَامِيَّةُ الثَّابِتَةُ قَوَاعِدُهَا الْمَعْقُولَةُ عَلَى أَسَاسِ الْعَقِيدَةِ الدِّينِيَّةِ، فَلَا تُزَلْزِلُهَا النَّظَرِيَّاتُ الَّتِي تَعْبَثُ بِالْعُمْرَانِ، وَتُفْسِدُ نُظُمَ الْحَيَاةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ عَلَى النَّاسِ ".

نَصَحْنَا لِلشَّعْبِ التُّرْكِيِّ بِهَذَا، وَلَكِنَّ زُعَمَاءَهُ الْكَمَالِيِّينَ الْيَوْمَ كَزُعَمَائِهِ الِاتِّحَادِيِّينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَدْ فُتِنُوا بِهَذِهِ الْمَدَنِيَّةِ الْمَادِّيَّةِ، وَجَهِلُوا كُنْهَ الْإِسْلَامِ وَالْحُكُومَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ، وَقَدْ أَعْذَرْنَا إِلَيْهِمْ بَيَانَهَا، وَأَنْذَرْنَاهُمْ عَذَابَ اللهِ بِإِهْمَالِهَا، فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ، وَطَفِقُوا يَطْمِسُونَ مَا بَقِيَ مِنَ الْإِسْلَامِ فِي حُكُومَتِهِمْ وَأُمَّتِهِمْ، وَسَنَرَى مَا يَكُونُ مِنْ أَمْرِهِمْ، وَقَدْ ظَهَرَ مَا كَانَ مَسْتُورًا مِنْ فَسَادِ سَرِيرَتِهِمْ، وَنَسْأَلُهُ تَعَالَى لَنَا وَلَهُمْ صَلَاحَ الْحَالِ، وَحُسْنَ الْمَآلِ.

وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ

لَمَّا بَيَّنَ اللهُ سُبْحَانَهُ أَخْذَهُ لِأَهْلِ الْقُرَى الَّذِينَ كَذَّبُوا الرُّسُلَ بِمَا كَانَ مِنْ كُفْرِهِمْ

وَظُلْمِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ وَلِلنَّاسِ؛ بَيَّنَ لِأَهْلِ أُمِّ الْقُرَى - مَكَّةَ - وَلِسَائِرِ النَّاسِ مَا كَانَ يَكُونُ مِنْ إِغْدَاقِ نِعَمِهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِالرُّسُلِ، وَاعْتَبَرُوا بِالسُّنَنِ، فَقَالَ:

وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا أَيْ: آمَنُوا بِمَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ رُسُلُهُمْ مِنْ عِبَادَةٍ لِلَّهِ وَحْدَهُ بِمَا شَرَعَهُ مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَاتَّقَوْا مَا نَهَوْهُمْ عَنْهُ مِنَ الشِّرْكِ وَالْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ بِالظُّلْمِ وَالْمَعَاصِي كَارْتِكَابِ الْفَوَاحِشِ، وَأَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ: لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ قَرَأَ الْجُمْهُورُ: فَتَحْنَا بِالتَّخْفِيفِ مِنَ الْفَتْحِ، وَقَرَأَهَا ابْنُ عَامِرٍ بِالتَّشْدِيدِ مِنَ التَّفْتِيحِ الدَّالِّ عَلَى الْكَثْرَةِ، وَالْمَعْنَى: لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَنْوَاعًا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَمْ يَعْهَدُوهَا مُجْتَمِعَةً وَلَا مُتَفَرِّقَةً، فَإِذَا أُرِيدَ بِبَرَكَاتِ السَّمَاءِ مَعَارِفُ الْوَحْيِ الْعَقْلِيَّةُ، وَأَنْوَارُ الْإِيمَانِ الرُّوحَانِيَّةُ، وَنَفَحَاتُ الْإِلْهَامَاتِ الرَّبَّانِيَّةُ، فَالْمَعْنَى: أَنَّ فَائِدَةَ الْإِيمَانِ وَاتِّبَاعِ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ تَكُونُ تَكْمِيلَ الْفِطْرَةِ الْبَشَرِيَّةِ رُوحًا وَجَسَدًا، وَغَايَتُهُ سَعَادَةُ الدَّارَيْنِ - الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ -

<<  <  ج: ص:  >  >>