حَتْمًا وَلَا نِزَاعَ فِي ذَلِكَ، وَقَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: وَرَدَّ أَهْلُ السَّبْتَ أَنَّ اللهَ أَهْلَكَهُمْ، فَمَعْنَى اللَّعْنَةِ هُنَا الْإِهْلَاكُ بِقَرِينَةِ التَّشْبِيهِ وَبِهِ صَرَّحَ أَبُو مُسْلِمٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى اللَّعْنِ هُنَا عَذَابَ الْآخِرَةِ، وَالْمَعْنَى: آمِنُوا قَبْلَ أَنْ تَقَعُوا فِي إِحْدَى الْهَاوِيَتَيْنِ: الْخَيْبَةِ وَالْخِذْلَانِ، وَفَسَادُ الْأَمْرِ وَذَهَابُ الْعِزَّةِ بِاسْتِيلَاءِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْكُمْ ـ وَقَدْ كَانَ ذَلِكَ فِي طَائِفَةٍ مِنْهُمْ أُجْلُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَخُذِلُوا فِي كُلِّ أَمْرِهِمْ ـ أَوِ الْهَلَاكُ وَقَدْ وَقَعَ بِقَتْلِ طَائِفَةٍ أُخْرَى وَهَلَاكِهَا وَكَانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولًا أَيْ: وَاقِعًا، أَيْ: شَأْنُهُ أَنْ يُفْعَلَ حَتْمًا، وَالْمُرَادُ هُنَا أَمْرُ التَّكْوِينِ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونَ (٣٦: ٨٢) .
إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا أَلَمْ
تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُبِينًا.
رَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٣٩: ٥٣) ، قَامَ النَّبِيُّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ عَلَى الْمِنْبَرِ فَتَلَاهَا عَلَى النَّاسِ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: وَالشِّرْكُ بِاللهِ؟ فَسَكَتَ ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ وَالشِّرْكُ بِاللهِ؟ فَسَكَتَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ نَحْوَهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَرَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالطَّبَرَانِيُّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ فِي رَجُلٍ شَكَا ابْنَ أَخِيهِ لِلنَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ أَنَّهُ لَا يَنْتَهِي عَنِ الْحَرَامِ، وَذَكَرَ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي وَحْشِيٍّ قَاتِلِ حَمْزَةَ ـ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ـ إِذْ أَرَادَ أَنْ يُسْلِمَ وَخَافَ أَلَّا يُقْبَلَ إِسْلَامُهُ، وَذَكَرَ فِي ذَلِكَ مُحَاوَرَةً وَمُرَاجَعَةً عَزَاهَا إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهِيَ لَا تَصِحُّ فَلَا حَاجَةَ إِلَى إِيرَادِهَا.
الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: قَالُوا فِي سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ قِصَّةُ وَحْشِيٍّ، وَأَنَّهُ نَدِمَ عَلَى قَتْلِهِ لَمَّا أَخْلَفَهُ مَوْلَاهُ مَا وَعَدَهُ مِنْ عِتْقِهِ، وَرَاجَعَ النَّبِيَّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فِي إِسْلَامِهِ، فَكَأَنَّهُمْ يُثْبِتُونَ أَنَّ اللهَ جَلَّتْ عَظَمَتُهُ كَانَ يُدَاعِبُ وَحْشِيًّا وَأَصْحَابَهُ وَيَسْتَمِيلُهُمْ بِآيَةٍ بَعْدَ آيَةٍ، وَلَا حَاجَةَ إِلَى هَذَا كُلِّهِ، فَالْكَلَامُ مُلْتَئِمٌ بَعْضُهُ مَعَ بَعْضٍ، فَهُوَ بَعْدَ مَا ذَكَرَ مِنْ شَأْنِ الْيَهُودِ وَأَنَّ عُمْدَتَهُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute