للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يُرَاعُوا ظَاهِرُ مَدْلُولِ لَفْظِهِ، وَلَا فَحْوَاهُ وَالْمَقْصِدَ مِنْهُ، حَتَّى كَأَنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْهُمْ غَيْرُ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ، وَلَوْ قَالَ فَبَدَّلُوا قَوْلًا بِقَوْلٍ، أَوْ فَبَدَّلُوا مَا قِيلَ لَهُمْ، لَمْ يَدُلْ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى كُلِّهِ.

وَلَا ثِقَةَ لَنَا بِشَيْءٍ مِمَّا رُوِيَ فِي هَذَا التَّبْدِيلِ مِنْ أَلْفَاظٍ عِبْرَانِيَّةٍ وَلَا عَرَبِيَّةٍ، فَكُلُّهُ مِنَ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ الْوَضْعِيَّةِ، كَمَا قَالَهُ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ هُنَالِكَ. وَإِنْ خَرَجَ بَعْضُهُ فِي الصَّحِيحِ وَالسُّنَنِ مَوْقُوفًا وَمَرْفُوعًا كَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَرْفُوعِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا " قِيلَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ فَدَخَلُوا يَزْحَفُونَ عَلَى أَسْتَاهِهِمُ وَقَالُوا: حِطَّةٌ، حَبَّةٌ فِي شَعْرَةٌ: " وَفِي رِوَايَةِ " شُعَيْرَةٍ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَفْسِيرِ السُّورَتَيْنِ مِنْ طَرِيقِ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَخِي وَهْبٍ، وَهُمَا صَاحِبَا الْغَرَائِبِ فِي الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ. وَلَمْ يُصَرِّحْ أَبُو هُرَيْرَةَ بِسَمَاعِ هَذَا مِنَ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ إِذْ ثَبَتَ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ، وَهَذَا مَدْرَكُ عَدَمِ اعْتِمَادِ الْأُسْتَاذِ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَى مِثْلِ هَذَا مِنَ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ، وَإِنْ صَحَّ سَنَدُهُ، وَلَكِنْ قَلَّمَا يُوجَدُ فِي الصَّحِيحِ الْمَرْفُوعِ شَيْءٌ يَقْتَضِي الطَّعْنَ فِي سَنَدِهَا.

(١٠ - ١٢) قَالَ هَاهُنَا: فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ

وَقَالَ هُنَالِكَ: فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (٢: ٥٩) فَالِاخْتِلَافُ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ:.

(أَوَّلُهَا) بَيْنَ الْإِرْسَالِ وَالْإِنْزَالِ وَهُوَ لَفْظِيٌّ إِذِ الْإِرْسَالُ مِنْ فَوْقِ عَيْنِ الْإِنْزَالِ: (ثَانِيهَا) بَيْنَ الْمُضْمَرِ (عَلَيْهِمْ) وَالْمُظْهِرِ عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْمُرَادُ مِنْهُمَا أَنَّ ذَلِكَ الرِّجْزَ عَذَابٌ كَانَ خَاصًّا بِالَّذِينِ ظَلَمُوا لَا عَامًّا، فَحَسُنَ أَنْ يَقُولَ فِي آيَةِ الْأَعْرَافِ: " عَلَيْهِمْ " لِتَصْرِيحِهِ بِسَبَبِيَّةِ الظُّلْمِ بَعْدَهُ، وَلَوْ قَالَ " فَأَرْسَلَنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَظْلِمُونَ " لَكَانَ تَكْرَارُ التَّعْلِيلِ بِالظُّلْمِ مُنَافِيًا لِلْبَلَاغَةِ، وَهَذَا التَّكْرَارُ مُنْتَفٍ فِي آيَةِ الْبَقَرَةِ لِأَنَّ ; التَّعْلِيلَ فِيهَا بِالْفِسْقِ لَا الظُّلْمِ:.

(ثَالِثُهَا) بَيْنَ (يَظْلِمُونَ) وَ (يَفْسُقُونَ) وَفَائِدَتِهِ: بَيَانُ أَنَّهُمْ كَانُوا جَامِعِينَ بَيْنَ الظُّلْمِ الَّذِي هُوَ نَقْصٌ لِلْحَقِّ أَوْ إِيذَاءٌ لِلنَّفْسِ أَوْ لِلْغَيْرِ، وَبَيْنَ الْفِسْقِ الَّذِي هُوَ الْخُرُوجُ عَنِ الطَّاعَةِ، وَلَوْ فِي غَيْرِ الظُّلْمِ لِلنَّفْسِ أَوْ لِلنَّاسِ. وَحَسُنَ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الزِّيَادَةُ فِي آيَةِ الْبَقَرَةِ ; لِأَنَّهَا نَزَلَتْ آخِرًا. وَالرِّجْزُ: الْعَذَابُ الَّذِي تَضْطَرِبُ لَهُ الْقُلُوبُ أَوْ يَضْطَرِبُ لَهُ النَّاسُ فِي شُئُونِهِمْ وَمَعَايِشِهِمْ كَمَا تَقَدَّمَ تَحْقِيقُهُ فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ ١٣٤ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ، وَذَكَرْنَا فِيهَا قَوْلَ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّ الرِّجْزَ الَّذِي أَرْسَلَهُ اللهُ عَلَى الظَّالِمِينَ فِي قِصَّةِ دُخُولِ الْقَرْيَةِ هُوَ الطَّاعُونُ، وَأَنَّهُ جَائِزٌ، وَلَكِنْ لَمْ يَثْبُتْ بِنَقْلٍ صَحِيحٍ، وَقَدْ عَزَاهُ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ إِلَى وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ.

إِنَّ اللهَ تَعَالَى أَنْزَلَ الْقُرْآنَ هَدًى وَمَوْعِظَةً، وَجَعَلَ قِصَصَ الرُّسُلِ فِيهِ عِبْرَةً وَتَذْكِرَةً لَا تَارِيخَ شُعُوبٍ وَمَدَائِنَ، وَلَا تَحْقِيقَ وَقَائِعَ وَمَوَاقِعَ. وَالْعِبْرَةُ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ أَنْ نَتَّقِيَ الظُّلْمَ

<<  <  ج: ص:  >  >>