للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَخَطَايَاهُمْ كَقَوْلِكِ اللهُمَّ غُفْرًا وَبَيْنَ دُخُولِ بَابِ الْقَرْيَةِ فِي حَالِ التَّلَبُّسِ بِالتَّوَاضُعِ وَالْخُشُوعِ لِلَّهِ تَعَالَى وَتَنْكِيسِ الرُّؤُوسِ شُكْرًا لِجَلَالِهِ عَلَى نُوَالِهِ، كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ الْأَعْظَمُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ لَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ فَاتِحًا.

(٧) قَالَ هَاهُنَا: نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئَاتِكُمْ قَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَيَعْقُوبُ (تُغْفَرْ) بِالتَّاءِ وَالْفَاءِ الْمَفْتُوحَةِ وَرَفْعِ (خَطِيئَاتُكُمْ) وَهُوَ يُنَاسِبُ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ (نَغْفِرْ) بِالنُّونِ وَكَسْرِ الْفَاءَ وَنَصْبِ " خَطِيئَاتِكُمْ " بِكَسْرِ تَائِهًا، وَهُوَ يُنَاسِبُ مَا بَعْدَهُ، وَهُوَ كَوْنُ " سَنَزِيدُ " لِلْمُتَكَلِّمِ الْمُعَظَّمِ. وَالْمَعْنَى فِيهِمَا وَاحِدٌ ; لِأَنَّ الْمُخَاطَبَ الَّذِي يَغْفِرُ الذُّنُوبَ وَاحِدٌ. وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ (خَطِيئَتَكُمْ) بِالْإِفْرَادِ. وَهُوَ بِمَعْنَى الْجَمْعِ ; لِأَنَّهُ مُضَافٌ فَيُفِيدُ الْعُمُومَ، وَلَعَلَّ فِيهِ إِشَارَةً إِلَى خَطِيئَةٍ خَاصَّةٍ مُشْتَرَكَةٍ. وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو (خَطَايَاكُمْ) وَبِهَا قَرَأَ الْجُمْهُورُ فِي آيَةِ الْبَقَرَةِ، مَعَ اخْتِلَافِهِمْ فِي فِعْلِ الْمَغْفِرَةِ كَمَا هُنَا. وَكِتَابَةُ الْكَلِمَتَيْنِ فِي الْمُصْحَفِ الْإِمَامِ تَحْتَمِلُ كُلَّ مَا ذُكِرَ فِي الْكَلِمَتَيْنِ، وَفَائِدَةُ الِاخْتِلَافِ لَفْظِيَّةٌ وَهِيَ التَّوَسُّعُ فِي الْقِرَاءَةِ، وَقَالَ الْقُطْبُ الشِّيرَازِيُّ: إِنَّ فَائِدَةَ الِاخْتِلَافِ بَيْنَ قِرَاءَتِي الْإِفْرَادِ وَالْجَمْعِ لِلْخَطِيئَةِ أَنَّ هَذِهِ الذُّنُوبَ تُغْفَرُ لَهُمْ إِذَا فَعَلُوا مَا أُمِرُوا بِهِ مِنْ قَوْلٍ وَفِعْلٍ، سَوَاءٌ كَانَتْ قَلِيلَةً كَوَاحِدَةٍ أَوْ كَثِيرَةً.

(٨) قَالَ هَاهُنَا: سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ بِدُونِ وَاوٍ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ الْبَيَانِيِّ، وَهُوَ جَوَابُ سُؤَالٍ كَأَنَّهُ قِيلَ: وَمَاذَا بَعْدُ الْمَغْفِرَةِ؟ أَيْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ فِي عَمَلِهِمْ جَزَاءً حَسَنًا عَلَى

إِحْسَانِهِمْ، وَفِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ: وَسَنَزِيدُ بِالْعَطْفِ. وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ. وَقَدْ يَكُونُ طَرْحُ الْوَاوِ أَدَلُّ عَلَى كَوْنِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ تَفَضُّلٌ مَحْضٌ لَيْسَ مُشَارِكًا لِلْمَغْفِرَةِ فِيمَا جَعَلَ سَبَبًا لَهَا مِنَ الْخُضُوعِ وَالسُّجُودِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَالدُّعَاءِ بِحَطِّ الْأَوْزَارِ.

(٩) قَالَ هَاهُنَا: فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ وَفِيهِ زِيَادَةُ (مِنْهُمْ) عَلَى مَثَلِهِ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَسَبَبِهَا مَا تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ إِلَخْ. مِنَ الْحَاجَةِ إِلَى ذِكْرِ ضَمِيرِ الْمَحْكِيِّ عَنْهُمْ لِرَبْطِ الْكَلَامِ، وَهَذِهِ الْحَاجَةُ مُنْتَفِيَةٌ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ كَمَا عَلِمْتَ مِنَ الْفَرْقِ السَّابِعِ آنِفًا، وَلَيْسَ لِزِيَادَةِ الْبَيَانِ كَمَا قِيلَ، بَلْ هُوَ الْأَصْلُ هَاهُنَا، وَلَا حَاجَةَ إِلَيْهِ هُنَالِكَ وَإِنْ كَانَ حِكَايَةً عَنِ الْغَائِبِينَ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ سِيَاقِ مُخَاطَبَةِ خَلَفِهِمُ الْحَاضِرِينَ.

وَأَمَّا مَعْنَى تَبْدِيلِهِمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي تَفْسِيرِ آيَةِ الْبَقَرَةِ، وَمُلَخَّصُهُ أَنَّهُمْ عَصَوْا بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ، وَخَالَفُوا الْأَمْرَ مُخَالَفَةً تَامَّةً لَا تَحْتَمِلُ الِاجْتِهَادَ وَلَا التَّأَوُّلَ، فَلَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>