وَمِنَ الْغَفْلَةِ الشَّنِيعَةِ وَالتَّكَلُّفِ الْبَعِيدِ أَنْ يُفَسِّرُوا الْكِتَابَ فِي آيَةِ سُورَةِ الشُّورَى مَعَ هَذَا التَّفْصِيلِ فِيهَا بِالْقُرْآنِ الَّذِي وُصِفَ بِأَنَّهُ لَا رَيْبَ فِيهِ، وَيَصِفُوا الَّذِينَ أُورِثُوهُ بِأَنَّهُمْ فِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ فِيمَنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أُورِثُوهُ، وَكَذَلِكَ الَّذِينَ لَمْ يُؤْمِنُوا بِمُوسَى وَبِعِيسَى لَا يُقَالُ: إِنَّهُمْ أُورِثُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ، وَإِنَّمَا يُقَالُ وَرِثَ الْكِتَابَ مَنْ آمَنَ بِهِ سَوَاءٌ مِنْهُمْ مَنْ أَحْسَنَ الْعَمَلَ وَمَنْ أَسَاءَ، كَمَا قَالَ - تَعَالَى -: - ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ - ٣٥: ٣٢ وَلَكِنَّ الَّذِينَ أَخْطَئُوا فِي فَهْمِ الْآيَتَيْنِ الْمُجْمَلَتَيْنِ فِي السُّورَتَيْنِ حَمَلُوا عَلَيْهِمَا الْآيَةَ الْمُفَصَّلَةَ وَجَعَلُوا تَفْسِيرَهُنَّ وَاحِدًا.
- وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ - أَيْ: وَإِنَّ كُلَّ أُولَئِكَ الْمُخْتَلِفِينَ فِيهِ، أَوْ كُلَّ أَحَدٍ مِنْهُمْ، وَاللهِ لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ جَزَاءَ أَعْمَالِهِمْ لَا يَظْلِمُ مِنْهُمْ أَحَدًا، - إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ - لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهُ شَيْءٌ، فَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ بَعْضُ التَّوْفِيَةِ دُونَ بَعْضٍ.
وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَنَافِعٌ وَأَبُو بَكْرٍ " وَإِنْ " بِتَخْفِيفِ النُّونِ مَعَ إِعْمَالِهَا عَمَلَ الثَّقِيلَةِ اعْتِبَارًا لِلْأَصْلِ، وَ " لَمَا " بِالتَّخْفِيفِ عَلَى أَنَّ لَامَهَا مُوطِئَةٌ لِلْقَسَمِ أَوْ فَارِقَةٌ وَهِيَ فَاصِلَةٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّامِ الدَّاخِلَةِ عَلَى فِعْلِ الْقَسَمِ. وَأَمَّا عَلَى قِرَاءَةِ تَشْدِيدِ " لَمَّا " وَهِيَ قِرَاءَةُ ابْنِ عَامِرٍ وَعَاصِمٍ وَحَمْزَةَ فَهِيَ بِمَعْنَى إِلَّا، وَإِنْ نَافِيَةٌ، قَالَهُ الْجَلَالُ.
فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ.
هَذَا السِّيَاقُ تَفْصِيلٌ لِلْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي الَّتِي هِيَ ثَمَرَةُ الِاعْتِبَارِ بِمَا كَانَ مِنْ سِيرَةِ الْأُمَمِ مَعَ الرُّسُلِ: مَنْ جَحَدُوا فَأُهْلِكُوا. وَمَنْ آمَنُوا ثُمَّ اخْتَلَفُوا وَتَفَرَّقُوا، فَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ هَذَا الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ كَمُلَ إِيمَانُهُ، وَمَا بَعْدَهُمَا تَفْصِيلٌ لَهُمَا.
- فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ - أَيْ: كَانَ أَمْرُ أُولَئِكَ الْأُمَمِ كَمَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ أَيُّهَا الرَّسُولُ، فَاسْتَقِمْ مِثْلَ مَا أَمَرْنَاكَ فِي هَذَا الْكِتَابِ، أَيِ الْزَمِ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ الَّذِي لَا عِوَجَ فِيهِ بِالثَّبَاتِ عَلَيْهِ وَاتِّقَاءِ الِاخْتِلَافِ فِيهِ، - وَمَنْ تَابَ مَعَكَ - أَيْ: وَلْيَسْتَقِمْ مَعَكَ مَنْ تَابَ مِنَ الشِّرْكِ وَآمَنَ بِكَ وَاتَّبَعَكَ - وَلَا تَطْغَوْا - فِيهِ بِتَجَاوُزِ حُدُودِهِ غُلُوًّا فِي الدِّينِ، فَإِنَّ الْإِفْرَاطَ فِيهِ كَالتَّفْرِيطِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute