للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثُمَّ قَالَ حِكَايَةً عَنْ نَبِيِّهِ هُودٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ) (٥٢) وَقَالَ حِكَايَةً عَنْ نُوحٍ فِي سُورَتِهِ: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا) (٧١: ١٠ - ١٢) وَلَمْ يَخْطُرْ فِي بَالِ رِجَالِ الدِّينِ وَلَا غَيْرِهِمْ فِي الْوِلَايَاتِ الْمُتَّحِدَةِ وَإِنْكِلْتِرَةَ أَنْ يُذَكِّرُوا النَّاسَ بِغَضَبِ اللهِ - تَعَالَى - عَلَيْهِمْ بِفِسْقِهِمْ وَظُلْمِهِمْ عِنْدَمَا اشْتَدَّ الْقَيْظُ وَمُنِعَ الْمَطَرُ وَاحْتَرَقَتِ الزُّرُوعُ وَهَلَكَتِ الْمَوَاشِي، وَيَدْعُوهُمْ إِلَى التَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ وَالِاسْتِسْقَاءِ الْعَامِّ، (فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ) (٦: ٤٣ و٤٤) أَيْ: خَائِبُونَ مُتَحَسِّرُونَ أَوْ يَائِسُونَ.

وَقَالَ فِي مُشْرِكِي أَهْلِ مَكَّةَ: (وَإِذْ قَالُوا اللهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) (٨: ٣٢ و٣٣) فَلَمَّا أُخْرِجَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُمْ وَدَعَا عَلَيْهِمْ أَصَابَهُمُ الْقَحْطُ الشَّدِيدُ حَتَّى أَكَلُوا الْعَلْهَزَ وَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ يَسْتَشْفِعُونَ بِهِ، حَتَّى كَانَ أَبُو سُفْيَانَ أَعْدَى أَعْدَائِهِ هُوَ الَّذِي كَلَّمَهُ وَاسْتَعْطَفَهُ عَلَى قَوْمِهِ، وَفِيهِمْ أَنْزَلَ اللهُ - تَعَالَى -: (وَضَرَبَ اللهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطَمْئِنَةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ

رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ) (١٦: ١١٢ و١١٣) وَمَا جَعَلَ اللهُ هَذَا مَثَلًا إِلَّا لِأَنَّهُ يَشْمَلُ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، حَتَّى كَانَتْ أَغْنَى عَوَاصِمِ الْأَرْضِ وَقُرَاهَا كَلَنْدَنَ وَبَارِيسَ ذَاقَتْ أَلَمَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ فِي سِنِي الْحَرْبِ الْعَامَّةِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (٩: ١٢٦) .

الْأَفْكَارُ الْمَادِّيَّةُ الْمَانِعَةُ مِنَ الِاتِّعَاظِ بِالنَّوَازِلِ:

فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ أَكْثَرَ الظَّالِمِينَ فِي هَذَا الْعَصْرِ مَادِّيُّونَ، يَعْتَقِدُونَ أَنَّ طُوفَانَ نُوحٍ الَّذِي اخْتُلِفَ فِيهِ، هَلْ كَانَ عَامًّا هَلَكَ بِهِ جَمِيعُ أَهْلِ الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ نَجَا فِي السَّفِينَةِ، أَوْ خَاصًّا بِقَوْمِ نُوحٍ، يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ حَدَثَ بِأَسْبَابٍ طَبِيعِيَّةٍ كَمَا حَدَثَ فِي هَذَا الْعَامِ فِي مَوَاضِعَ فِي فَرَنْسَةَ وَغَيْرِهَا مِنْ أُورُبَّةَ وَفِي الْيَابَانِ وَالْهِنْدِ وَالصِّينِ فَأَهْلَكَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ وَالْحَيَوَانِ، وَأَتْلَفَ مِنَ الْمَبَانِي وَالْمَزَارِعِ مَا قُدِّرَتْ قِيمَتُهُ بِأُلُوفِ الْأُلُوفِ مِنَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، وَهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ الطُّوفَانَ الْعَامَّ لَمْ يَحْدُثْ فِي الْأَرْضِ بَعْدُ، فَإِنَّ طُوفَانَ نُوحٍ إِنَّمَا كَانَ عَظِيمًا - عَامًّا كَانَ أَوْ خَاصًّا - لِأَنَّهُ كَانَ قَرِيبَ الْعَهْدِ بِتَكْوِينِ الْأَرْضِ، إِذْ كَانَ أَكْثَرُهَا مَغْمُورًا بِالْمِيَاهِ ثُمَّ صَارَ يَتَقَلَّصُ

<<  <  ج: ص:  >  >>