وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَاقَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ لَمَّا يَئِسَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ شُعَيْبٍ مِنْ عَوْدَتِهِ فِي مِلَّتِهِمْ، وَعَلِمُوا أَنَّهُ ثَابِتٌ عَلَى مُقَارَعَتِهِمْ، خَافُوا أَنْ يَكْثُرَ الْمُهْتَدُونَ بِهِ مِنْ قَوْمِهِمْ، فَحَذَّرُوهُمْ ذَلِكَ بِمَا حَكَاهُ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ:
وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ. هَذَا عَطْفٌ عَلَى قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا وَلَيْسَ جَوَابًا لِشُعَيْبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَلَا دَاخِلًا فِي هَذِهِ الْمُرَاجَعَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ؛ إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَفَصَلَ وَلَمْ يَعْطِفْ، بَلْ ذَلِكَ مَا قَالُوهُ لَهُ، وَالْمُنَاسِبُ فِيهِ وَصْفُهُمْ بِالِاسْتِكْبَارِ، فَهُوَ الَّذِي جَرَّأَهُمْ عَلَى تَهْدِيدِهِ، وَإِنْذَارِهِ الْإِخْرَاجَ مِنْ قَرْيَتِهِمُ الْمُشْعِرِ بِأَنَّهُمْ هُمْ أَصْحَابُ السُّلْطَانِ فِيهِ، وَهَذَا مَا قَالُوهُ لِقَوْمِهِمْ إِغْوَاءً لَهُمْ بِصَدِّهِمْ عَنِ الْإِيمَانِ لَهُ، وَالْأَخْذِ بِمَا جَاءَ بِهِ، وَالْمُنَاسِبُ فِيهِ وَصْفُهُمْ بِالْكُفْرِ، فَهُوَ الْحَامِلُ لَهُمْ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ كَانَ سَبَبُهُ الِاسْتِكْبَارَ عَنِ اتِّبَاعِهِ أَوْ غَيْرِهِ، بَلْ لَوْ عَلِمَ أُولُو الرَّأْيِ مِنْ قَوْمِهِمْ أَنَّ سَبَبَ صَدِّهِمْ عَنْهُ هُوَ الِاسْتِكْبَارُ وَالْعُتُوُّ لَمَا أَطَاعُوهُمْ؛ وَلِذَلِكَ عَلَّلُوا لَهُمْ صَدَّهُمْ عَنْهُ بِمَا يُوهِمُهُمْ أَنَّهُ هُوَ الْمَصْلَحَةُ لَهُمْ، إِذْ قَالُوا لَهُمْ بِصِيغَةِ الْقَسَمِ: لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لَخَاسِرُونَ، وَحَذَفَ مُتَعَلِّقَ الْخَسَارِ لِيُعَمِّمَ كُلَّ مَا يَصْلُحُ لَهُ، أَيْ: خَاسِرُونَ لِشَرَفِكُمْ وَمَجْدِكُمْ بِإِيثَارِ مِلَّتِهِ عَلَى مِلَّةِ آبَائِكُمْ وَأَجْدَادِكُمْ، وَمَنَاطِ عِزِّكُمْ وَفَخْرِكُمْ، وَاعْتِرَافِكُمْ بِأَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ ضَالِّينَ وَأَنَّهُمْ مُعَذَّبُونَ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى، وَخَاسِرُونَ لِثَرْوَتِكُمْ وَرِبْحِكُمْ مِنَ النَّاسِ بِمَا حَذَقْتُمُوهُ مِنْ تَطْفِيفِ الْكَيْلِ وَالْمِيزَانِ، وَبَخْسِ الْغُرَبَاءِ أَشْيَاءَهُمْ لِابْتِزَازِ أَمْوَالِهِمْ، وَأَيُّ خَسَارَةٍ أَكْبَرُ مِنْ خَسَارَةِ الشَّرَفِ وَالثَّرْوَةِ؟ فَمَعْلُومٌ أَنَّ اللَّامَ فِي قَوْلِهِمْ: (لَئِنْ) مُوطِئَةٌ لِلْقَسَمِ، وَهِيَ أَقْوَى مُؤَكِّدٌ لِلْكَلَامِ، وَالْجُمْلَةُ الِاسْمِيَّةُ وَتَصْدِيرُهَا بِـ " إِنَّ " وَقَرْنُ خَبَرِهَا بِـ " اللَّامِ " وَتَوْسِيطُ (إِذًا) الَّتِي هِيَ جَوَابٌ وَجَزَاءٌ بَيْنَ طَرَفَيْهَا، كُلُّ ذَلِكَ مِنَ الْمُؤَكِّدَاتِ لِمَضْمُونِهَا الْخَادِعَةِ لِسَامِعِيهَا، وَإِنَّ مِثْلَهَا مِمَّا يَرُوجُ بَيْنَ أَمْثَالِهِمْ فِي كُلِّ زَمَانٍ، وَلَا سِيَّمَا زَمَنُ التَّفَاخُرِ بِالْآبَاءِ، وَالتَّعَصُّبِ لِلْأَقْوَامِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute