للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اللَّتَيْنِ أَوْرَدَهُمَا، وَلَفْظُ الرَّحْمَنِ هُوَ الدَّالُّ عَلَيْهَا بِالْقُوَّةِ لِعَدَمِ تَعَلُّقِ مِثْلِ ذَلِكَ الظَّرْفِ بِهِ، وَهُوَ قَوِيٌّ. وَعَكَسَ (مُحَمَّدُ عَبْدُهُ) وَجَعَلَ ذَلِكَ مِنْ مَدْلُولِ الصِّيغَةِ بِاللُّزُومِ.

(الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قَالُوا: إِنَّ مَعْنَى الْحَمْدِ الثَّنَاءُ بِاللِّسَانِ، وَقَيَّدُوهُ بِالْجَمِيلِ؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ " ثَنَاءٍ " تُسْتَعْمَلُ فِي الْمَدْحِ وَالذَّمِّ جَمِيعًا، يُقَالُ: أَثْنَى عَلَيْهِ شَرًّا، كَمَا يُقَالُ: أَثْنَى عَلَيْهِ خَيْرًا. وَيَقُولُونَ: إِنَّ " أل " الَّتِي فِي الْحَمْدِ هِيَ لِلْجِنْسِ فِي أَيِّ فَرَدٍ مِنْ أَفْرَادِهِ لَا لِلِاسْتِغْرَاقِ وَلَا لِلْعَهْدِ الْمَخْصُوصِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُصَارُ إِلَى كُلٍّ مِنْهُمَا فِي فَهْمِ الْكَلَامِ إِلَّا بِالْبَدِيلِ، وَهُوَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الْآيَةِ، وَمَعْنَى كَوْنِ الْحَمْدِ لِلَّهِ تَعَالَى بِأَيِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِهِ، هُوَ أَنَّ أَيَّ شَيْءٍ يَصِحُّ الْحَمْدُ عَلَيْهِ فَهُوَ مَصْدَرُهُ، وَإِلَيْهِ مَرْجِعُهُ، فَالْحَمْدُ لَهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ.

وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ خَبَرِيَّةٌ وَلَكِنَّهَا اسْتُعْمِلَتْ لِإِنْشَاءِ الْحَمْدِ - فَأَمَّا مَعْنَى الْخَبَرِيَّةِ فَهُوَ إِثْبَاتُ أَنَّ الثَّنَاءَ الْجَمِيلَ فِي أَيِّ أَنْوَاعِهِ تَحَقُّقٌ، فَهُوَ ثَابِتٌ لَهُ تَعَالَى وَرَاجِعٌ إِلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَّصِفٌ بِكُلِّ مَا يَحْمَدُ عَلَيْهِ الْحَامِدُونَ فَصِفَاتُهُ أَجَلُّ الصِّفَاتِ، وَإِحْسَانُهُ عَمَّ جَمِيعَ الْكَائِنَاتِ، وَلِأَنَّ جَمِيعَ مَا يَصِحُّ أَنْ يَتَوَجَّهَ إِلَيْهِ الْحَمْدُ مِمَّا سِوَاهُ فَهُوَ مِنْهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، إِذْ هُوَ مَصْدَرُ الْكَوْنِ كُلِّهِ، فَيَكُونُ لَهُ ذَلِكَ الْحَمْدُ أَوَّلًا وَبِالذَّاتِ.

وَالْخُلَاصَةُ: أَنَّ أَيَّ حَمْدٍ يَتَوَجَّهُ إِلَى مَحْمُودٍ مَا فَهُوَ لِلَّهِ تَعَالَى، سَوَاءٌ لَاحَظَهُ الْحَامِدُ أَوْ لَمْ يُلَاحِظْهُ. وَأَمَّا مَعْنَى الْإِنْشَائِيَّةِ فَهُوَ أَنَّ الْحَامِدَ جَعَلَهَا عِبَارَةً عَمَّا وَجَّهَهُ مِنَ الثَّنَاءِ إِلَى اللهِ تَعَالَى فِي الْحَالِ.

هَذَا مُلَخَّصُ مَا قَالَهُ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ، وَأَقُولُ الْآنَ: التَّعْرِيفُ الْمَشْهُورُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ لِلْحَمْدِ: أَنَّهُ الثَّنَاءُ بِاللِّسَانِ عَلَى الْجَمِيلِ الِاخْتِيَارِيِّ. أَيِ الْفِعْلِ الْجَمِيلِ الصَّادِرِ عَنْ فَاعِلِهِ بِاخْتِيَارِهِ، أَيْ سَوَاءٌ أَسْدَى هَذَا الْجَمِيلَ إِلَى الْحَامِدِ أَمْ لَا. اهـ وَأَزِيدُ عَلَيْهِمْ: أَنَّهُ قَدْ يُحْمَدُ غَيْرُ الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ تَنْزِيلًا لَهُ مَنْزِلَةَ الْفَاعِلِ فِي نَفْعِهِ، وَمِنْهُ: " إِنَّمَا يَحْمَدُ السُّوقَ مَنْ رَبِحَ ". وَهَذَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ مِنَ اسْتِعْمَالِ اللُّغَةِ. وَحَذَفَ بَعْضُهُمْ قَيْدَ الِاخْتِيَارِ ليدخل

في الحمد الثناء على صفات الكمال ولذلك وصف بعضهم الجميل الاختياري بِقَوْلِهِ: سَوَاءٌ كَانَ مِنَ الْفَضَائِلِ - أَيِ الصِّفَاتِ الْكَمَالِيَّةِ لِصَاحِبِهَا -

<<  <  ج: ص:  >  >>