وَفَحْوَى كَلَامِهِمْ، كَالَّذِينِ قَالَ اللهُ فِيهِمْ مِنْهُمْ: وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (٤٧: ٣٠) .
وَلَكِنَّ الْبَلِيَّةَ فِي الرِّوَايَةِ عَنْ مِثْلِ كَعْبِ الْأَحْبَارِ، وَمِمَّنْ رَوَى عَنْهُ أَبُو هُرَيْرَةَ وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُعْظَمُ التَّفْسِيرِ الْمَأْثُورِ مَأْخُوذٌ عَنْهُ وَعَنْ تَلَامِيذِهِ، وَمِنْهُمُ الْمُدَلِّسُونَ كَقَتَادَةَ، وَكَذَا غَيْرُهُ مِنْ كِبَارِ الْمُفَسِّرِينَ كَابْنِ جُرَيْجٍ.
فَكُلُّ حَدِيثٍ مُشْكِلِ الْمَتْنِ أَوْ مُضْطَرِبِ الرِّوَايَةِ، أَوْ مُخَالِفٍ لِسُنَنِ اللهِ تَعَالَى فِي الْخَلْقِ، أَوْ لِأُصُولِ الدِّينِ أَوْ نُصُوصِهِ الْقَطْعِيَّةِ، أَوْ لِلْحِسِّيَّاتِ وَأَمْثَالِهَا مِنَ الْقَضَايَا الْيَقِينِيَّةِ، فَهُوَ مَظَنَّةٌ لِمَا ذَكَرْنَا فِي هَذِهِ التَّنْبِيهَاتِ، وَسَبَقَ لَنَا بَيَانُ أَكْثَرِهَا فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا فِي تَفْسِيرِ (٦: ١٥٨) مِنْ أَوَاخِرِ سُورَةِ الْأَنْعَامِ ص ١٨٥ وَمَا بَعْدَهَا ج ٨ ط الْهَيْئَةِ، فَمَنْ صَدَّقَ رِوَايَةً مِمَّا ذُكِرَ، وَلَمْ يَجِدْ فِيهَا إِشْكَالًا فَالْأَصْلُ فِيهَا الصِّدْقُ، وَمَنِ ارْتَابَ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْهَا أَوْ أَوْرَدَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْمُرْتَابِينَ أَوِ الْمُشَكِّكِينَ إِشْكَالًا فِي مُتُونِهَا، فَلْيَحْمِلْهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ عَدَمِ الثِّقَةِ بِالرِّوَايَةِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِهَا مِنْ دَسَائِسِ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ، أَوْ خَطَأِ الرِّوَايَةِ بِالْمَعْنَى، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا أَشَرْنَا إِلَيْهِ، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْهَا ثَابِتًا بِالتَّوَاتُرِ الْقَطْعِيِّ، فَلَا يَصِحُ أَنْ يُجْعَلَ شُبْهَةً عَلَى صِدْقِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَعْلُومِ بِالْقَطْعِ، وَلَا عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْقَطْعِيَّاتِ، وَلَعَلَّ اللهَ تَعَالَى يُبَارِكُ لَنَا فِي الْعُمْرِ، وَيُوَفِّقُنَا لِصَرْفِ مُعْظَمِهِ فِي خِدْمَةِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَنَضَعُ لِأَحَادِيثِ الْفِتَنِ وَآيَاتِ السَّاعَةِ مُصَنَّفًا خَاصًّا بِهَا، وَمَا شَاءَ اللهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ هَذِهِ الْآيَةُ مِنْ أَعْظَمِ أُصُولِ الدِّينِ وَقَوَاعِدِ عَقَائِدِهِ بِبَيَانِهَا لِحَقِيقَةِ الرِّسَالَةِ
وَالْفَصْلِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الرُّبُوبِيَّةِ وَالْأُلُوهِيَّةِ، وَهَدْمِهَا لِقَوَاعِدِ الشِّرْكِ وَمَبَانِي الْوَثَنِيَّةِ مِنْ أَسَاسِهَا، وَمُنَاسَبَتُهَا لِمَا قَبْلَهَا: أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَمَرَ خَاتَمَ رُسُلِهِ فِيمَا قَبْلَهَا أَنْ يُجِيبَ السَّائِلِينَ لَهُ عَنِ السَّاعَةِ بِأَنَّ عِلْمَهَا عِنْدَ اللهِ تَعَالَى وَحْدَهُ، وَأَمْرَهَا بِيَدِهِ وَحْدَهُ - وَأَمَرَهُ فِي هَذِهِ أَنْ يُبَيِّنَ لِلنَّاسِ أَنَّ كُلَّ الْأُمُورِ بِيَدِ اللهِ تَعَالَى وَحْدَهُ، وَأَنَّ عِلْمَ الْغَيْبِ كُلَّهُ عِنْدَهُ، وَأَنْ يَنْفِيَ كُلًّا مِنْهُمَا عَنْ نَفْسِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِينَ كَانُوا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute