أَرَأَيْتَ أُمَّةً مِنَ الْأُمَمِ تُقِيمُ هَذِهِ الْأَرْكَانَ وَيُوجَدُ فِيهَا فَقْرٌ مُدْقِعٌ، أَوْ غُرْمٌ مُوجِعٌ، أَوْ شَقَاءٌ مُفْظِعٌ؟
أَلَمْ تَرَ أَنَّ زَكَاةَ النَّقْدَيْنِ الْوَاجِبَةَ - وَهِيَ رُبُعُ الْعُشْرِ - هِيَ أَوْسَطُ رِبْحٍ تَدْفَعُهُ الْمَصَارِفُ الْمَالِيَّةُ لِمُودِعِي نَقُودِهِمْ فِيهَا لِلِاسْتِغْلَالِ، وَقَدْ يَقِلُّ عَنْ ذَلِكَ؟
قَدِّرِ الثَّرْوَةَ الْقَوْمِيَّةَ فِي النَّقْدِ وَالتِّجَارَةِ لِلشَّعْبِ الْمِصْرِيِّ، وَانْظُرْ مِقْدَارَ رُبُعِ عُشْرِهَا الْوَاجِبَ دَفْعُهُ فِي كُلِّ عَامٍ لِفُقَرَائِهَا وَمَصَالِحِهَا، وَارْجِعِ الْبَصَرَ إِلَى سَائِرِ أَنْوَاعِ الزَّكَاةِ وَمَقَادِيرِهَا، تَعْرِفْ قَدْرَ سَعَادَتِهِ إِذَا وَضَعَهَا فِي مَوَاضِعِهَا وَتَعْلَمْ صِدْقَ مَا قُلْنَاهُ فِي تَفْسِيرِ آيَةِ مَصَارِفِ الصَّدَقَاتِ مِنْ أَنَّ أَدَاءَ الزَّكَاةِ وَحْدَهُ كَافٍ لِإِعَادَةِ مَجْدِ الْإِسْلَامِ الَّذِي أَضَاعَهُ الْمُسْلِمُونَ.
اقْرَأْ (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) (٢: ١٩٥) وَاقْرَأْ (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (٥٩: ٩) وَتَدَبَّرْ جِدَّ التَّدَبُّرِ (هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) (٤٧: ٣٨) .
وَقَدْ جَاءَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنَ التَّرْغِيبِ فِي بَذْلِ الْمَالِ فِي سُبُلِ الْبِرِّ، وَجَعْلِهِ مِنْ أَكْبَرِ آيَاتِ الْإِيمَانِ، وَمُوجِبَاتِ الثَّوَابِ وَالرِّضْوَانِ، وَتَبْوِيءِ غُرَفِ الْجِنَانِ وَتَسْمِيَتِهِ إِقْرَاضًا لِلرَّحْمَنِ مَا لَمْ يَجِئْ مِثْلُهُ فِي أَيِّ عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ.
وَتَجِدُ أَكْثَرَ الشَّوَاهِدِ عَلَى ذَلِكَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ ثُمَّ فِي هَذِهِ السُّورَةِ (بَرَاءَةَ) مَا تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهُ مِنْهَا وَمَا تَأَخَّرَ.
(أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ) أَيْ أَلَمْ يَعْلَمْ أُولَئِكَ التَّائِبُونَ مِنْ ذَنْبِهِمْ أَنَّ اللهَ هُوَ الَّذِي يَقْبَلُ تَوْبَةَ التَّائِبِينَ مِنْ عِبَادِهِ، وَلَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ لِرَسُولِهِ بَلْهَ مَنْ دُونَهُ مِنْ خَلْقِهِ، فَالِاسْتِفْهَامُ لِتَقْرِيرِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ وَكَوْنِهِ هُوَ الَّذِي حَمَلَهُمْ عَلَى التَّوْبَةِ - أَوْ أَلَمْ يَعْلَمِ الْمُؤْمِنُونَ كَافَّةً هَذَا وَهُوَ مُقْتَضَى الْإِيمَانِ وَمُوجِبُهُ؟ وَالِاسْتِفْهَامُ عَلَى هَذَا تَحْضِيضٌ عَلَى هَذَا الْعِلْمِ وَمَا يَسْتَلْزِمُهُ مِنَ التَّوْبَةِ. وَقَبُولُ التَّوْبَةِ عَنْهُمْ قِيلَ: إِنَّهُ بِمَعْنَى قَبُولِهَا مِنْهُمْ، نَحْوَ: لَا صَدَقَةَ إِلَّا عَنْ غِنًى وَمِنْ غِنًى، وَقِيلَ: إِنَّ الْقَبُولَ هُنَا قَدْ تَضَمَّنَ مَعْنَى التَّجَاوُزِ وَالصَّفْحِ، أَيْ هُوَ الَّذِي يَقْبَلُهَا مِنْهُمْ مُتَجَاوِزًا عَنْ ذُنُوبِهِمْ عَفْوًا عَنْهَا وَهَذَا أَبْلَغُ (وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ) أَيْ يَتَقَبَّلُهَا بِأَنْوَاعِهَا وَيُثِيبُ عَلَيْهَا، وَيَعُدُّهَا إِقْرَاضًا لَهُ فَيُضَاعِفُ ثَوَابَهَا، بِمُقْتَضَى وَعْدِهِ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ: (إِنْ تُقْرِضُوا اللهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ) (٦٤: ١٧) وَقَوْلِهِ: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً) (٢: ٢٤٥) فَأَخْذُ الصَّدَقَاتِ لَهُ ثَلَاثُ صُوَرٍ (أَحَدُهَا) أَخْذُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute