للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قُلُوبِهِمْ، لَا يَفْضُلُونَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا الْغُرُورَ بِفُنُونِ الْإِفْرِنْجِ وَقُوَّتِهِمْ، وَجَعْلِهَا حُجَّةً عَلَى تَقْلِيدِ أَرَاذِلِهِمْ فِي شَرِّ رَذَائِلِهِمْ، وَتَحْقِيرِ أَنْفُسِهِمْ وَأُمَّتِهِمْ وَلُغَتِهِمْ، فَهُمْ شَرٌّ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ، إِذْ كَانَ تَقْلِيدُ قَوْمِ نُوحٍ لِآبَائِهِمْ تَعْظِيمًا لَهُمْ، وَالْبَلَاءُ عِنْدَنَا مِنْ فَسَادِ أُمَرَائِنَا وَبَاشَاوَاتِنَا وَأَغْنِيَائِنَا، فَهُمْ فِي مَجْمُوعِهِمْ أَوْ أَكْثَرِهِمْ كَمَلَأِ نُوحٍ شَرُّ طَبَقَاتِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَأَشَدُّهَا فَسَادًا وَإِفْسَادًا.

قَالَ يَاقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خَيْرًا اللهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ

تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ الْأَرْبَعُ دَحْضَ تِلْكَ الشُّبُهَاتِ الْأَرْبَعِ الَّتِي رَدُّوا بِهَا عَلَيْهِ وَشُبُهَاتٍ أُخْرَى مِنْ لَوَازِمِهَا، وَرُبَّمَا صَرَّحُوا بِهَا وَاسْتُغْنِيَ عَنْ حِكَايَتِهَا بِالْعِلْمِ بِهَا مِنَ الرَّدِّ عَلَيْهَا، وَهُوَ مِنْ دَقَائِقِ إِيجَازِ الْقُرْآنِ الْمُعْجِزِ لِلْبَشَرِ فَتَأَمَّلْهُ.

(قَالَ يَاقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي) خَاطَبَهُمْ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِلَقَبِ الْقَوْمِ مُضَافًا إِلَى ضَمِيرِ ((يَا قَوْمِي، وَحَذْفُ الْيَاءِ مِنَ الرَّسْمِ مُرَاعَاةً لِلنُّطْقِ)) اسْتِعْطَافًا وَإِيذَانًا بِأَنَّهُ يَدْعُوهُمْ إِلَى مَا هُوَ خَيْرٌ لَهُمْ، وَكَلِمَةُ ((أَرَأَيْتُمْ)) تُسْتَعْمَلُ عِنْدَ الْعَرَبِ بِمَعْنَى أَخْبِرُونِي عَنْ رَأْيِكُمْ فِيمَا يَأْتِي بَعْدَهَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ يُونُسَ ((١٠: ٥٠ و٥٩)) وَغَيْرِهَا، وَالْبَيِّنَةُ مَا يَتَبَيَّنُ بِهِ الْحَقُّ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا آنِفًا فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ ١٧.

أَيْ أَخْبِرُونِي يَا قَوْمِيَ الْأَعِزَّاءَ مَا رَأْيُكُمْ وَقَوْلُكُمْ فِي حَالِي مَعَكُمْ، إِنْ كُنْتُ عَلَى حُجَّةٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>