عَنْهُ، وَأَمَّا مَا دَامَتْ سَالِمَةً مُجْتَمِعَةً، فَالرِّيبَةُ بَاقِيَةٌ فِيهَا مُتَمَكِّنَةٌ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذِكْرُ التَّقَطُّعِ تَصْوِيرًا لِحَالِ زَوَالِ الرِّيبَةِ عَنْهُمْ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ حَقِيقَةُ تَقْطِيعِهَا وَمَا هُوَ كَائِنٌ مِنْهُ بِقَتْلِهِمْ أَوْ فِي الْقُبُورِ أَوْ فِي النَّارِ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ: إِلَّا أَنْ يَتُوبُوا تَوْبَةً تَتَقَطَّعُ بِهَا قُلُوبُهُمْ نَدَمًا وَأَسَفًا عَلَى تَفْرِيطِهِمُ، انْتَهَى. (وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) فَحَكَمَ فِي أَمْرِهِمْ وَبَيَّنَ مِنْ حَالِهِمْ مَا اقْتَضَتْهُ الْحِكْمَةُ وَالْعِلْمُ الْمُحِيطُ بِكُلِّ شَيْءٍ.
(إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) .
هَاتَانِ الْآيَتَانِ فِي بَيَانِ حَالِ الْمُؤْمِنِينَ حَقَّ الْإِيمَانِ، الْبَالِغِينَ فِيهِ مَا هُوَ غَايَةٌ لَهُ مِنَ الْكَمَالِ، وُضِعَتَا بَعْدَ بَيَانِ حَالِ الْمُنَافِقِينَ، وَأَصْنَافِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُقَصِّرِينَ، وَمِنْهُمَا تُعْرَفُ جَمِيعُ دَرَجَاتِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَا سِيَّمَا الْمُتَخَلِّفِينَ عَنِ الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ.
(إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ) بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ هَذَا تَمْثِيلٌ لِإِثَابَةِ اللهِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى بَذْلِ أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ فِي سَبِيلِهِ بِتَمْلِيكِهِمُ الْجَنَّةَ دَارَ النَّعِيمِ الْأَبَدِيِّ، وَالرِّضْوَانِ السَّرْمَدِيِّ، تَفَضَّلَ جَلَّ جَلَالُهُ وَعَمَّ نَوَالُهُ بِجَعْلِهَا مِنْ قَبِيلِ مَنْ بَاعَ شَيْئًا هُوَ لَهُ لِآخَرَ، لُطْفًا مِنْهُ تَعَالَى وَكَرَمًا وَتَكْرِيمًا لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ بِجَعْلِهِمْ كَالْمُتَعَاقِدِينَ مَعَهُ كَمَا يَتَعَاقَدُ الْبَيِّعَانِ عَلَى الْمَنَافِعِ الْمُتَبَادَلَةِ وَهُوَ عَزَّ وَجَلَّ الْمَالِكُ لِأَنْفُسِهِمْ إِذْ هُوَ الَّذِي خَلَقَهَا، وَالْمَالِكُ لِأَمْوَالِهِمْ إِذْ هُوَ الَّذِي رَزَقَهَا، وَهُوَ غَنِيٌّ عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ. وَإِنَّمَا الْمَبِيعُ وَالثَّمَنُ - لَهُ. وَقَدْ جَعَلَهُمَا بِكَرَمِهِ لَهُمْ، وَقَوْلُهُ: (يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ) بَيَانٌ لِصِفَةِ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ وَهُوَ أَنَّهُمْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الْحَقِّ وَالْعَدْلِ الْمُوَصِّلَةِ إِلَى مَرْضَاتِهِ تَعَالَى فَيَبْذُلُونَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ فَيَكُونُونَ إِمَّا قَاتِلِينَ لِأَعْدَائِهِ الصَّادِّينَ عَنْ سَبِيلِهِ، وَإِمَّا مَقْتُولِينَ شُهَدَاءَ فِي هَذِهِ السَّبِيلِ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ بِتَقْدِيمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute