أَيِ الْأُمُورُ الَّتِي يَجِبُ الْعَزْمُ عَلَيْهَا، أَوْ مِمَّا عَزَمَ اللهُ أَنْ يَكُونَ ; أَيْ مِنْ عَزَمَاتِ قَضَائِهِ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْ وُقُوعِهَا.
وَمَنْ تَدَبَّرَ هَذَا عَلِمَ ضَعْفَ رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ، وَابْنِ الْمُنْذِرِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا - أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِيمَا كَانَ بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ، وَفِنْحَاصَ، وَقَدْ سَرَدْنَا الرِّوَايَةَ مِنْ عَهْدٍ قَرِيبٍ، فَإِنَّ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ الْمُؤَكَّدَةَ لِلْمُؤْمِنِينَ كَافَّةً، وَمَا سَبَقَهَا مِنَ التَّمْهِيدِ أَكْبَرُ مِنْ ذَلِكَ - وَإِنْ حَسَّنَهَا مَنْ رَوَاهَا - وَيُرَجِّحُ مَا اخْتَرْنَاهُ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ مِنْ كَوْنِهَا فِي الْمُؤْمِنِينَ لَا فِي الْكَافِرِينَ. وَفِي رِوَايَةٍ عِنْدَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ فِيمَا كَانَ يَهْجُو بِهِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابَهُ، وَهَذِهِ أَضْعَفُ مِنَ
الْأُولَى، فَإِنَّ كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ قُتِلَ قَبْلَ غَزْوَةِ أُحُدٍ، وَكَفَى اللهُ الْمُسْلِمِينَ كَيْدَهُ وَقَوْلَهُ.
قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: الصَّبْرُ هُوَ تَلَقِّي الْمَكْرُوهِ بِالِاحْتِمَالِ، وَكَظْمُ النَّفْسِ عَلَيْهِ مَعَ الرَّوِيَّةِ فِي دَفْعِهِ، وَمُقَاوَمَةِ مَا يُحْدِثُهُ مِنَ الْجَزَعِ، فَهُوَ مُرَكَّبٌ مِنْ أَمْرَيْنِ: دَفْعُ الْجَزَعِ، وَمُحَاوَلَةُ طَرْدِهِ، ثُمَّ مُقَاوَمَةُ أَثَرِهِ حَتَّى لَا يَغْلِبَ عَلَى النَّفْسِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ مَعَ الْإِحْسَاسِ بِأَلَمِ الْمَكْرُوهِ، فَمَنْ لَا يُحِسُّ بِهِ لَا يُسَمَّى صَابِرًا، وَإِنَّمَا هُوَ فَاقِدٌ لِلْإِحْسَاسِ يُسَمَّى بَلِيدًا، وَفَرْقٌ بَيْنَ الصَّبْرِ وَالْبَلَادَةِ، فَالصَّبْرُ وَسَطٌ بَيْنَ الْجَزَعِ وَالْبَلَادَةِ، وَمَا أَحْسَنَ قَرْنَ التَّقْوَى بِالصَّبْرِ فِي هَذِهِ الْمَوْعِظَةِ، وَهِيَ أَنْ يَمْتَثِلَ مَا هَدَى اللهُ إِلَيْهِ فِعْلًا، وَتَرْكًا عَنْ بَاعِثِ الْقَلْبِ، وَذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ; أَيِ الَّتِي يَجِبُ أَنْ تُعْقَدَ عَلَيْهَا الْعَزِيمَةُ، وَتَصِحَّ فِيهَا النِّيَّةُ وُجُوبًا مُحَتَّمًا لَا ضَعْفَ فِيهِ.
وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَجْهُ الِاتِّصَالِ بَيْنَ الْآيَةِ الْأُولَى مِنْ هَذِهِ الْآيَاتِ وَمَا قَبْلَهَا هُوَ أَنَّ الْآيَاتِ الَّتِي قَبْلَهَا كَانَتْ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ - وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ - تَعَالَى - ذَكَرَ أَحْوَالَ النَّصَارَى مِنْهُمْ وَحَاجَّهُمْ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute