للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَعِيشُ بَيْنَ أَمْثَالِ هَؤُلَاءِ النِّسْوَةِ الْمَاكِرَاتِ الْمُتْرَفَاتِ - مِثْلِي - لَا مَفَرَّ لَهُ مِنَ الْجَهْلِ إِلَّا بِعِصْمَتِكَ وَحِفْظِكَ بِمَا هُوَ فَوْقَ الْأَسْبَابِ الْمُعْتَادَةِ، وَهَذَا نَصٌّ صَرِيحٌ مِنْهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِأَنَّهُ مَا صَبَا إِلَيْهِنَّ، وَلَا أَحَبَّ أَنْ يَعِيشَ مَعَهُنَّ، وَإِنَّمَا بَيَّنَ مُقْتَضَى الِاسْتِهْدَافِ لِكَيْدِ هَؤُلَاءِ النِّسَاءِ، وَسَأَلَ رَبَّهُ أَنْ يُدِيمَ لَهُ مَا وَعَدَهُ فِي قَوْلِهِ: كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ٢٤.

فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ مَا دَعَاهُ بِهِ وَطَلَبَهُ مِنْهُ، الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ هَذَا الِابْتِهَالُ

وَالِالْتِجَاءُ إِلَيْهِ وَطَوَى ذِكْرَهُ إِيجَازًا فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ فَلَمْ يَصْبُ إِلَيْهِنَّ، فَيَحْتَاجُ إِلَى جِهَادِ نَفْسِهِ لِكَفِّهَا عَنِ الِاسْتِمْتَاعِ بِهِنَّ، وَعَصَمَهُ أَنْ يَكُونَ ((مِنَ الْجَاهِلِينَ)) بِاتِّبَاعِ هَوَاهُنَّ (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْمُجِيبُ) لِمَنْ أَخْلَصَ لَهُ الدُّعَاءَ، جَامِعًا بَيْنَ مَقَامَيِ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ، الْعَلِيمُ بِصِدْقِ إِيمَانِهِمْ، وَمَا يَصْلُحُ مِنْ أَحْوَالِهِمْ، فَعَطَفَ اسْتِجَابَةَ رَبِّهِ لَهُ، وَصَرْفَ كَيْدَهُنَّ عَنْهُ بِالْفَاءِ الدَّالَّةِ عَلَى التَّعْقِيبِ، وَتَعْلِيلُهَا بِأَنَّهَا مُقْتَضَى كَمَالِ صِفَتَيِ السَّمْعِ وَالْعِلْمِ، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ رَبَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - لَمْ يَتَخَلَّ عَنْ عِنَايَتِهِ بِتَرْبِيَتِهِ، أَقْصَرَ زَمَنٍ يَهْتَمُّ فِيهِ بِأَمْرِ نَفْسِهِ وَمُجَاهَدَتِهِ، وَمُؤَيِّدٌ لِقَوْلِهِ - تَعَالَى - فِي أَوَّلِ سِيَاقِ هَذِهِ الْفِتْنَةِ: (وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ) ٢١.

(ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ) بَدَا هَذِهِ مِنَ الْبَدَاءِ (بِالْفَتْحِ) لَا مِنَ الْبُدُوِّ الْمُطْلَقِ، أَيْ ثُمَّ ظَهَرَ لَهُمْ مِنَ الرَّأْيِ مَا لَمْ يَكُنْ ظَاهِرًا مِنْ قَبْلُ، وَمِنْهُ كَلِمَةُ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ الْبَلِيغَةُ ((فَمَا عَدَا مِمَّا بَدَا)) أَيْ فَمَا عَدَاكَ وَصَرَفَكَ عَمَّا كُنْتَ فِيهِ مِمَّا بَدَا لَكَ الْآنَ وَكَانَ خَفِيًّا عَنْكَ قَبْلَهُ، وَلِذَلِكَ عُطِفَتِ الْجُمْلَةُ بِـ (ثُمَّ) الَّتِي تُفِيدُ الِانْتِقَالَ مِمَّا كَانُوا فِيهِ إِلَى طَوْرٍ جَدِيدٍ بَعْدَ التَّشَاوُرِ وَالتَّرَوِّي فِي الْأَمْرِ، وَضَمِيرُ لَهُمْ يَرْجِعُ إِلَى أَهْلِ دَارِ الْعَزِيزِ وَامْرَأَتِهِ وَمَنْ يَعْنِيهِ أَمْرَهُمَا كَالشَّاهِدِ الَّذِي شَهِدَ عَلَيْهَا مِنْ أَهْلِهَا، وَالْمُرَادُ بِـ (الْآيَاتِ) مَا شَهِدُوهُ وَاخْتَبَرُوهُ مِنَ الدَّلَائِلِ عَلَى أَنَّ يُوسُفَ إِنْسَانٌ غَيْرُ الْأَنَاسِيِّ الَّتِي عَرَفُوهَا فِي عَقِيدَتِهِ وَإِيمَانِهِ وَأَخْلَاقِهِ، مِنْ عِفَّةٍ وَنَزَاهَةٍ وَاحْتِقَارٍ لِلشَّهَوَاتِ وَالزِّينَةِ وَالْإِتْرَافِ الْمُتَّبَعِ فِي قُصُورِ هَذِهِ الْحَضَارَةِ، وَمِنْ عِنَايَةِ رَبِّهِ الْوَاحِدِ الْأَحَدِ بِهِ كَمَا يُؤْمِنُ وَيَعْتَقِدُ، فَمِنْ هَذِهِ الْآيَاتِ: أَنْ تُفْتَنَ سَيِّدَتُهُ فِي مُرَاوَدَتِهِ، وَلَمْ يَحْدُثْ أَدْنَى تَأْثِيرٍ فِي جَذْبِ خُلَسَاتِ نَظَرِهِ، وَلَا فِي خَفَقَاتِ قَلْبِهِ، بَلْ ظَلَّ مُعْرِضًا عَنْهَا مُتَجَاهِلًا لَهَا، حَتَّى إِذَا مَا صَارَحَتْهُ بِكَلِمَةِ هَيْتَ لَكَ اقْشَعَرَّ جِلْدُهُ، وَاسْتَعَاذَ بِرَبِّهِ، رَبِّ آبَائِهِ الَّذِينَ يَفْتَخِرُ بِاتِّبَاعِ مِلَّتِهِمْ، وَعَيَّرَهَا بِالْخِيَانَةِ لِزَوْجِهَا.

(وَمِنْهَا) أَنَّهَا لَمَّا غَضِبَتْ وَهَمَّتْ بِالْبَطْشِ بِهِ هَمَّ بِمُقَاوَمَتِهَا وَالْبَطْشِ بِهَا وَهِيَ سَيِّدَتُهُ، وَمَا مَنَعَهُ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا مَا رَأَى مِنَ الْبُرْهَانِ فِي دَخِيلَةِ نَفْسِهِ. مُؤَيِّدًا لِمَا يَعْتَقِدُهُ مِنْ صَرْفِ رَبِّهِ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ عَنْهُ.

(وَمِنْهَا) أَنَّهَا لَمَّا اتَّهَمَتْهُ

بِالتَّعَدِّي عَلَيْهَا وَأَرَادُوا التَّحْقِيقَ

<<  <  ج: ص:  >  >>