بِآيَاتِ الْمَائِدَةِ. وَأَصْلُ مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْفَرَائِضَ وَالتَّحْرِيمَ الدِّينِيَّ لَا يَثْبُتَانِ إِلَّا بِالنَّصِّ الْقَطْعِيِّ أَوْ بِنَصِّ الْقُرْآنِ الْقَطْعِيِّ بَلْ هَذَا مَا كَانَ عَلَيْهِ عُلَمَاءُ السَّلَفِ. وَتَقَدَّمَ تَحْقِيقُ الْمَسْأَلَةِ (فِي ص ٣٢٣ وَمَا بَعْدَهَا ج ١٠ ط الْهَيْئَةِ) وَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِ بَعْضِ الْمُبْتَدِعَةِ بِالْمُؤَاخَذَةِ عَلَى مَا يَجِبُ بِحُكْمِ
الْعَقْلِ كَالصِّدْقِ وَالْأَمَانَةِ، صَرَّحَ بِهِ مُفَسِّرُهُمُ الزَّمَخْشَرِيُّ وَاسْتَثْنَاهُ مِنْ حُكْمِ الْآيَةِ بِأَنَّهُ غَيْرُ مَوْقُوفٍ عَلَى التَّوْقِيفِ)) نَعَمْ إِنَّ حُسْنَهُ يُعْلَمُ بِالْعَقْلِ. وَلَكِنَّ التَّكْلِيفَ الَّذِي يُبْنَى عَلَيْهِ جَزَاءُ الْآخِرَةِ لَا يَصِحُّ إِلَّا بِالشَّرْعِ، كَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْآيَةُ وَغَيْرُهَا. وَقَدْ أَمَرَ اللهُ بِالصِّدْقِ وَالْأَمَانَةِ وَأَوْجَبَهُمَا وَحَرَّمَ الْكَذِبَ وَالْخِيَانَةَ، كَمَا بَيَّنَ كُلَّ مَا أَرَادَ جَعْلَهُ دِينًا لِلنَّاسِ. وَقَدْ أَخْبَرَنَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ مَا سَكَتَ عَنْهُ فَلَمْ يُبَيِّنْهُ لَنَا فَهُوَ عَفْوٌ مِنْهُ تَعَالَى غَيْرُ نِسْيَانٍ، فَلَيْسَ لَنَا أَنْ نَسْأَلَ عَنْهُ وَلَا أَنْ نَضَعَ لَهُ أَحْكَامًا بِآرَاءِ عُقُولِنَا. وَقَدْ بَسَطْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي تَفْسِيرِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا) (٥: ١٠١) إِلَخْ رَاجِعْ ص ١٠٧ وَمَا بَعْدَهَا ج ٧ ط الْهَيْئَةِ مَعَ الْفَصْلِ الْمُلْحَقِ بِهِ ص ١١٧ ط الْهَيْئَةِ إِلَخْ.
(إِنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) لَا شَرِيكَ لَهُ فِي خَلْقِهِمَا وَلَا فِي تَدْبِيرِ شُئُونِهِمَا وَلَا فِي التَّشْرِيعِ الدِّينِيِّ لِلْمُكَلَّفِينَ فِيهِمَا (يُحْيِي وَيُمِيتُ) أَيْ يَهَبُ الْحَيَاةَ الْحَيَوَانِيَّةَ وَالْحَيَاةَ الْمَعْنَوِيَّةَ الرُّوحِيَّةَ بِمَحْضِ قُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ وَمُقْتَضَى سُنَنِهِ فِي التَّكْوِينِ وَالْهِدَايَةِ الْفِعْلِيَّةِ وَيُمِيتُ مَا شَاءَ مِنَ الْأَبْدَانِ بِانْقِضَاءِ آجَالِهَا الْمُقَدَّرَةِ فِي عِلْمِهِ، وَمِنَ الْأَنْفُسِ بِنُكُوبِهَا عَنْ صِرَاطِ هِدَايَتِهِ (وَمَا لَكَمَ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) أَيْ وَلَيْسَ لَكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَحَدٌ غَيْرُ اللهِ يَتَوَلَّى أَمْرَكُمْ، وَلَا نَصِيرٌ يَنْصُرُكُمْ عَلَى عَدُوِّكُمْ، فَلَا تَحِيدُوا عَنْ هِدَايَتِهِ فِيمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ مِنَ الِاسْتِغْفَارِ لِأُولِي الْقُرْبَى الَّذِينَ هُمْ أَهْلُ الْوِلَايَةِ وَالنُّصْرَةِ مِنْ عَصَبَاتِكُمْ فِي الْأَنْسَابِ، وَلَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ.
لَقَدْ تَابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ
عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute