وَيَسْتَوْلُونَ عَلَيْهَا دَوْلَةً بَعْدَ دَوْلَةٍ، وَالْمُتَّسِمُونَ بِسِمَةِ الْإِيمَانِ آهِلُونَ لِكُلِّ أَرْضٍ مُتَمَكِّنُونَ بِكُلِّ قُطْرٍ، وَلَا تَأْخُذُهُمْ عَلَى الدِّينِ نُعْرَةٌ، وَلَا تَسْتَفِزُّهُمْ لِلدِّفَاعِ عَنْهُ حَمِيَّةٌ؟ .
أَلَا يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا الْقُرْآنَ، وَتَعْمَلُوا بِمَا فِيهِ مِنَ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي، وَتَتَّخِذُوهُ إِمَامًا لَكُمْ فِي جَمِيعِ أَعْمَالِكُمْ مَعَ مُرَاعَاةِ الْحُكْمِ فِي الْعَمَلِ كَمَا كَانَ سَلَفُكُمُ الصَّالِحُ، أَلَا يَا أَهْلَ الْقُرْآنِ هَذَا كِتَابُكُمْ فَاقْرَءُوا مِنْهُ: فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ (٤٧: ٢٠) أَلَا تَعْلَمُونَ فِيمَنْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ؟ نَزَلَتْ فِي وَصْفِ مَنْ لَا إِيمَانَ لَهُمْ. هَلْ يَسُرُّ مُؤْمِنًا أَنْ يَتَنَاوَلَهُ هَذَا الْوَصْفُ الْمُشَارُ إِلَيْهِ بِالْآيَةِ الْكَرِيمَةِ؟ أَوْ غَرَّ كَثِيرِينَ مِنَ الْمُدَّعِينَ لِلْإِيمَانِ مَا زُيِّنَ لَهُمْ مِنْ سُوءِ أَعْمَالِهِمْ، وَمَا حَسَّنَتْهُ لَدَيْهِمْ أَهْوَاؤُهُمْ: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (٤٧: ٢٤) .
أَقُولُ وَلَا أَخْشَى نَكِيرًا: لَا يَمَسُّ الْإِيمَانُ قَلْبَ شَخْصٍ إِلَّا وَيَكُونُ أَوَّلُ أَعْمَالِهِ تَقْدِيمَ مَالِهِ وَرُوحِهِ فِي سَبِيلِ الْإِيمَانِ، لَا يُرَاعِي فِي ذَلِكَ عُذْرًا وَلَا عِلَّةً،
وَكُلُّ اعْتِذَارٍ فِي الْقُعُودِ عَنْ نُصْرَةِ اللهِ فَهُوَ آيَةُ النِّفَاقِ، وَعَلَامَةُ الْبُعْدِ عَنِ اللهِ.
مَعَ هَذَا كُلِّهِ نَقُولُ: إِنَّ الْخَيْرَ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كَمَا جَاءَنَا بِهِ نَبَأُ النُّبُوَّةِ، وَهَذَا الِانْحِرَافُ الَّذِي نَرَاهُ الْيَوْمَ نَرْجُو أَنْ يَكُونَ عَارِضًا يَزُولُ، وَلَوْ قَامَ الْعُلَمَاءُ الْأَتْقِيَاءُ وَأَدَّوْا مَا عَلَيْهِمْ مِنَ النَّصِيحَةِ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ، وَأَحْيَوْا رُوحَ الْقُرْآنِ، وَذَكَّرُوا الْمُؤْمِنِينَ بِمَعَانِيهِ الشَّرِيفَةِ وَاسْتَلْفَتُوهُمْ إِلَى عَهْدِ اللهِ الَّذِي لَا يُخْلَفُ لَرَأَيْتَ الْحَقَّ يَسْمُو، وَالْبَاطِلَ يَسْفِلُ، وَلَرَأَيْتَ نُورًا يَبْهَرُ الْأَبْصَارَ، وَأَعْمَالًا تَحَارُ فِيهَا الْأَفْكَارُ. وَإِنَّ الْحَرَكَةَ الَّتِي نُحِسُّهَا مِنْ نُفُوسِ الْمُسْلِمِينَ فِي أَغْلَبِ الْأَقْطَارِ هَذِهِ الْأَيَّامَ تُبَشِّرُنَا بِأَنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ أَعَدَّ النُّفُوسَ لِصَيْحَةِ حَقٍّ يَجْمَعُ بِهَا كَلِمَةَ الْمُسْلِمِينَ، وَيُوَحِّدُ بِهَا بَيْنَ جَمِيعِ الْمُوَحِّدِينَ، وَنَرْجُو أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ قَرِيبًا، فَإِنْ فَعَلَ الْمُسْلِمُونَ، وَأَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ لِلْقِيَامِ بِمَا أَوْجَبَ اللهُ عَلَيْهِمْ، صَحَتْ لَهُمُ الْأَوْبَةُ، وَنَصَحَتْ مِنْهُمُ التَّوْبَةُ، وَعَفَا اللهُ عَنْهُمْ، وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، فَعَلَى الْعُلَمَاءِ أَنْ يُسَارِعُوا إِلَى هَذَا الْخَيْرِ، وَهُوَ الْخَيْرُ كُلُّهُ: جَمْعُ كَلِمَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَالْفَضْلُ كُلُّ الْفَضْلِ لِمَنْ يَبْدَأُ مِنْهُمْ بِالْعَمَلِ اللهِ مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا (١٨: ١٧) اهـ.
أَقُولُ: رَحِمَ اللهُ مُحَمَّدَ عَبْدُه كَاتِبَ هَذَا الْخِطَابِ، وَرَحِمَ اللهُ السَّيِّدَ الْأَفْغَانِيَّ الَّذِي فَتَحَ لَهُ وَلَنَا هَذَا الْبَابَ، فَهَكَذَا فَلْيَكُنِ التَّذْكِيرُ بِالْقُرْآنِ: وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ الْكَلَامُ فِي هَذَا كَالْكَلَامِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute