للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَعَلَّ قِيَامَهَا كَانَ لِلْخِدْمَةِ - فَضَحِكَتْ. قِيلَ: تَعَجُّبًا مِمَّا رَأَتْ وَسَمِعَتْ، وَقِيلَ: سُرُورٌ بِالْأَمْنِ مِنَ الْخَوْفِ أَوْ بِقُرْبِ عَذَابِ قَوْمِ لُوطٍ لِكَرَاهَتِهَا لِسِيرَتِهِمُ الْخَبِيثَةِ، وَقِيلَ: تَعَجُّبًا مِنَ الْبِشَارَةِ بِالْوَلَدِ، وَهَذَا يَكُونُ أَوْلَى إِنْ كَانَتِ الْبِشَارَةُ قَبْلَ الضَّحِكِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا بَعْدَهُ لِعَطْفِهَا عَلَيْهِ بِالْفَاءِ وَهُوَ - فَبَشَّرْنَاهَا

بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ - وَزَعَمَ الْفَرَّاءُ أَنَّ فِيهِ تَقْدِيمًا وَتَأْخِيرًا، وَلَا مُقْتَضَى وَلَا مُصَوِّغَ لَهُ ; لِأَنَّ لِضَحِكِهَا أَسْبَابٌ ذَكَرْنَا بَعْضَهَا وَزَادَ غَيْرُنَا عَلَيْهَا، عَلَى أَنَّ بِشَارَتَهَا كَانَتْ بِالتَّبَعِ لِبِشَارَةِ بَعْلِهَا وَهُوَ الْمَقْصُودُ بِالذَّاتِ، وَصَرَّحَ بِهِ فِي سُوَرِ: الْحِجْرِ، وَالصَّافَّاتِ، وَالذَّارِيَاتِ خَاصًّا بِهِ، أَيْ بَشَّرْنَاهَا بِالتَّبَعِ لِتَبْشِيرِهِ بِإِسْحَاقَ، وَمِنْ بَعْدِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ، يَعْنِي أَنَّهُ سَيَكُونُ لِإِسْحَاقَ وَلَدٌ أَيْضًا. قَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَحَفْصٌ (يَعْقُوبَ) مَنْصُوبًا بِفِعْلٍ مُقَدَّرٍ تُفَسِّرُهُ قَرِينَةُ الْكَلَامِ كَوَهَبْنَاهَا مِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ، كَمَا قَالَ: - وَوَهَبَنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ - ٦: ٨٤ وَقَرَأَهُ الْبَاقُونَ مَرْفُوعًا بِالِابْتِدَاءِ، وَالتَّقْدِيرُ: وَيَعْقُوبُ مِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْوَرَاءَ وَلَدُ الْوَلَدِ.

- قَالَتْ يَا وَيْلَتَا - أَصْلُهَا يَا وَيْلِي (كَمَا قَالَ: يَا عَجَبًا بَدَلَ: يَا عَجَبِي) وَهِيَ كَلِمَةٌ تُقَالُ عِنْدَمَا يَفْجَأُ الْإِنْسَانَ أَمْرٌ مُهِمٌّ مِنْ بَلِيَّةٍ أَوْ فَجِيعَةٍ أَوْ فَضِيحَةٍ تَعَجُّبًا مِنْهُ أَوِ اسْتِكْبَارًا لَهُ أَوْ شَكْوَى مِنْهُ، وَأَكْثَرُ مَا يَجْرِي عَلَى أَلْسِنَةِ النِّسَاءِ قَدِيمًا وَحَدِيثًا، وَنِسَاءِ مِصْرَ يَقُلْنَ: " يَا دَهْوَتِي " - أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ - عَقِيمٌ لَا يَلِدُ مِثْلُهَا - وَهَذَا بَعْلِي - وَأَشَارَتْ إِلَيْهِ - كَمَا تَرَوْنَ - شَيْخًا - كَبِيرًا لَا يُولَدُ لِمِثْلِهِ - إِنَّ هَذَا - الَّذِي بَشَّرْتُمُونَا بِهِ، - لَشَيْءٌ عَجِيبٌ - فِي سِفْرِ التَّكْوِينِ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ عُمْرُهُ يَوْمَئِذٍ مِائَةَ سَنَةٍ، وَأَنَّ زَوْجَهُ سَارَةَ هَذِهِ كَانَتِ ابْنَةَ تِسْعِينَ سَنَةً وَمِثْلُهَا لَا يَلِدُ، بَلِ الْغَالِبُ أَنْ يَنْقَطِعَ حَيْضُ الْمَرْأَةِ فِي سِنِّ الْخَمْسِينَ فَيَبْطُلُ اسْتِعْدَادُهَا لِلْحَمْلِ وَالْوِلَادَةِ، عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ عَقِيمًا كَمَا فِي سُورَةِ الذَّارِيَاتِ. فَأَمَّا الرِّجَالُ فَلَا يَزَالُ يُوجَدُ فِي الْمُعَمِّرِينَ مِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ لَهُ فِي سِنِّ الْمِائَةِ وَمَا بَعْدَهَا وَلَكِنَّهُ نَادِرٌ. وَقَدْ حَدَّثَتْنَا صُحُفُ الْأَخْبَارِ عَنْ رَجُلٍ تُرْكِيٍّ مِنْهُمْ اسْمُهُ (زَارُو أَغَا) مَاتَ فِي هَذَا الْعَامِ (١٣٥٣ هـ) عَنْ مِائَةٍ وَخَمْسَةٍ وَثَلَاثِينَ عَامًا. ثُمَّ عَنْ رَجُلٍ عَرَبِيٍّ فِي الْعِرَاقِ قَرِيبٍ مِنْ عُمْرِهِ لَا يَزَالُ حَيًّا وَقَدْ وُلِدَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بَعْدَ الْمِائَةِ، ثُمَّ عَنْ رَجُلٍ عَرَبِيٍّ سُورِيٍّ مِنْ مَجْدَلِ زَوِينَ التَّابِعِ لِقَضَاءِ صُورَ اسْمُهُ: السَّيِّدُ حُسَيْن هَاشِم عُمْرُهُ ١٢٥ سَنَةً بِشَهَادَةِ الْمَحْكَمَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَمُخْتَارِ بَلْدَتِهِ، وَهُوَ لَا يَزَالُ مُنْتَصِبَ الْقَامَةِ جَيِّدَ الصِّحَّةِ قَوِيَّ الذَّاكِرَةِ، وَقَدْ تَزَوَّجَ أَوَّلًا وَهُوَ فِي سَنِّ الْعِشْرِينَ، وَثَانِيًا وَهُوَ فِي الْعِشْرِينَ بَعْدَ الْمِائَةِ، رُزِقَ مِنَ الْأُولَى ١٤ وَلَدًا مِنْهُمْ ١٢ ذَكَرًا وَمِنَ الثَّانِيَةِ وَلَدًا وَاحِدًا، وَيَعِيشُ عِيشَةً فِطْرِيَّةً إِسْلَامِيَّةً.

وَالظَّاهِرُ أَنَّ سَارَّةَ عَلِمَتْ مِنْ حَالِ بَعْلِهَا أَنَّهُ بَعْدَ وِلَادَةِ هَاجَرَ لِابْنِهِ إِسْمَاعِيلَ بِزَمَنٍ قَرِيبٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>