للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَهُوَ لَا يَظْهَرُ إِلَّا إِذَا جَعَلْنَا قَوْلَهُ: الَّذِينَ اسْتَجَابُوا مَنْصُوبًا عَلَى الْمَدْحِ، وَالْجُمْلَةُ الْمَدْحِيَّةُ مُعْتَرِضَةٌ - قَالَ الْأُسْتَاذُ: وَثَمَّ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ وُجِدَ فِي نُفُوسِ بَعْضِ الْمُؤْمِنِينَ بَعْدَ أُحُدٍ شَيْءٌ مِنَ الضَّعْفِ، فَهَذِهِ الْآيَاتُ كُلُّهَا تَأْدِيبٌ لَهُمْ، وَلَمَّا دَعَاهُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِلْخُرُوجِ لَبَّوْا وَاسْتَجَابُوا لَهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَلَكِنْ عَرَضَ لِبَعْضِهِمْ عِنْدَ الْخُرُوجِ بِالْفِعْلِ مَوَانِعُ فِي أَنْفُسِهِمْ أَوْ أَهْلِيهِمْ فَلَمْ يَخْرُجُوا، فَأَرَادَ مَنِ الَّذِينَ أَحْسَنُوا وَاتَّقَوْا: الَّذِينَ

خَرَجُوا بِالْفِعْلِ وَهُمْ بَعْضُ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا. وَالْإِحْسَانُ: أَنْ يَعْمَلَ الْإِنْسَانُ الْعَمَلَ عَلَى أَكْمَلِ وُجُوهِهِ الْمُمْكِنَةِ. وَالتَّقْوَى أَنْ يَتَّقِيَ الْإِسَاءَةَ وَالتَّقْصِيرَ فِيهِ.

أَقُولُ: وَهَذَا الْوَجْهُ أَظْهَرُ الْوُجُوهِ وَأَحْسَنُهَا.

وَمِمَّا أَشَارَ إِلَيْهِ الْأُسْتَاذُ مَا رَوَاهُ ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّهُ لَمَّا أَذَّنَ مُؤَذِّنُ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِطَلَبِ الْعَدُوِّ " وَأَلَّا يَخْرُجَ مَعَنَا إِلَّا مِنْ حَضَرَ يَوْمَنَا بِالْأَمْسِ " كَلَّمَهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ حَرَامٍ فَقَالَ " يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ أَبَى كَانَ خَلَّفَنِي عَلَى أَخَوَاتٍ لِي سَبْعٍ وَقَالَ: يَا بُنَيَّ لَا يَنْبَغِي لِي وَلَا لَكَ أَنْ نَتْرُكَ هَؤُلَاءِ النِّسْوَةِ لَا رَجُلَ فِيهِنَّ، وَلَسْتُ بِالَّذِي أُوثِرُكَ بِالْجِهَادِ مَعَ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى نَفْسِي فَتَخَلَّفْ عَلَى أَخَوَاتِكَ. فَتَخَلَّفَ عَلَيْهِنَّ، فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ". فَلْيَعْتَبِرِ الْمُسْلِمُونَ بِهَذِهِ الْآيَاتِ الَّتِي وَرَدَتْ فِي أُولَئِكَ الْأَبْرَارِ الْأَخْيَارِ الَّذِينَ بَذَلُوا أَمْوَالَهُمْ وَأَنْفُسَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَكَيْفَ جَاءَ وَعْدُهُمْ بِالْأَجْرِ مَقْرُونًا بِوَصْفِ الْإِحْسَانِ وَالتَّقْوَى، وَأَنَّى يَعْتَبِرُ الْمَغْرُورُونَ الْمُسِيئُونَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ مَانِعُونَ، وَالَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِأَنْفُسِهِمْ فَلَا يَبْذُلُونَهَا فِي سَبِيلِ الْحَقِّ وَلَا يَتْعَبُونَ، وَالَّذِينَ يَقُولُونَ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْمَلُونَ، وَالَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَ الْمُبْطِلِينَ وَيَنْصُرُونَ، وَيُشَاقُّونَ أَهْلَ الْحَقِّ وَيَخْذُلُونَ، وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ! أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ، وَاللهُ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ.

الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ: هُمُ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ فَخَرَجُوا إِلَى حَمْرَاءِ الْأَسَدِ لِلِقَاءِ الْمُشْرِكِينَ إِذْ عَادَ بِهِمْ أَبُو سُفْيَانَ لِاسْتِئْصَالِهِمْ وَكَانُوا سَبْعِينَ رَجُلًا كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَكِنْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وقَتَادَةَ وَعِكْرِمَةَ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ الصُّغْرَى، وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ قَالَ حِينَ أَرَادَ أَنْ يَنْصَرِفَ مِنْ أُحُدٍ: يَا مُحَمَّدُ مَوْعِدُ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْسِمُ بَدْرٍ الْقَابِلُ إِنْ شِئْتَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ذَلِكَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ إِنْ شَاءَ اللهُ (كَمَا تَقَدَّمَ) فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْقَابِلُ خَرَجَ أَبُو سُفْيَانَ فِي أَهْلِ مَكَّةَ حَتَّى نَزَلَ " مَجَنَّةً " مِنْ نَاحِيَةِ " مَرِّ الظَّهْرَانِ " وَقِيلَ بَلَغَ " عُسْفَانَ " فَأَلْقَى اللهُ - تَعَالَى - الرُّعْبَ فِي قَلْبِهِ فَبَدَا لَهُ الْجُوعُ، فَلَقِيَ نُعَيْمَ بْنَ مَسْعُودٍ الْأَشْجَعِيَّ وَقَدْ قَدِمَ

مُعْتَمِرًا فَقَالَ لَهُ أَبُو سُفْيَانَ: إِنِّي وَاعَدْتُ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ أَنْ نَلْتَقِيَ بِمَوْسِمِ بَدْرٍ وَإِنَّ هَذَا عَامُ جَدْبٍ وَلَا يُصْلِحُنَا

<<  <  ج: ص:  >  >>