للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَإِنْ كَانَ لِلشُّهَدَاءِ فَهُوَ عَمَّا يَتَجَدَّدُ لَهُمْ مِنْ نِعْمَةٍ وَفَضْلٍ، أَوِ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ بِنِعْمَةٍ مَا ذَكَرَهُ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ مِنْ كَوْنِهِمْ أَحْيَاءً عِنْدَهُ يُرْزَقُونَ وَفَضْلٍ هُوَ عَيْنُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ مِنْ كَوْنِهِمْ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَإِنْ كَانَ لِلَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ فَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ بِمِثْلِ مَا فَرِحَ بِهِ الشُّهَدَاءُ وَأَنَّ اللهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ وَقَرَأَ الْكِسَائِيُّ " وَإِنَّ " بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ عَلَى أَنَّهُ تَذْيِيلٌ، أَوْ مُعْتَرِضٌ لِتَأْيِيدِ مَعْنَى مَا قَبْلَهُ، وَالْمُؤْمِنُونَ هُنَا عَامٌّ أُرِيدُ بِهِ خُصُوصُ الَّذِينَ وَصَفَهُمْ بِقَوْلِهِ: الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ وَهُمْ إِخْوَانُ أُولَئِكَ الشُّهَدَاءِ الَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ فَدَعَاهُمُ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى اتِّبَاعِ أَبِي سُفْيَانَ فِي حَمْرَاءِ الْأَسَدِ فَاسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَلَهُ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ فِي أُحُدٍ حَتَّى أَنْهَكَ قُوَاهُمْ وَتَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ مُفَصَّلًا فِي أَوَّلِ السِّيَاقِ (رَاجِعْ غَزْوَةِ حَمْرَاءِ

الْأَسَدِ ص ٨٨ ج ٤ ط. الْهَيْئَةِ الْمِصْرِيَّةِ الْعَامَّةِ لِلْكِتَابِ) وَقِيلَ: هُوَ عَلَى عُمُومِهِ، وَقِيلَ: إِنَّ الْمُرَادَ بِهِ الشُّهَدَاءُ وَالْجُمْلَةُ عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ ابْتِدَائِيَّةٌ وَمَدْحِيَّةٌ.

وَقَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: ذَكَرَ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ اسْتِبْشَارَهُمْ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ وَأَنَّهُمْ فَرِحُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ ثُمَّ ذَكَرَ هُنَا أَنَّهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ. فَالَّذِي آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ مُجْمَلٌ تَفْصِيلُهُ مَا بَعْدَهُ وَهُوَ قِسْمَانِ: فَضْلٌ عَلَيْهِمْ فِي إِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ وَرَاءَهُمْ، وَفَضْلٌ عَلَيْهِمْ فِي أَنْفُسِهِمْ وَهُوَ نِعْمَةُ اللهِ عَلَيْهِمْ، وَفَضْلُهُ الْخَاصُّ بِهِمْ فِي دَارِ الْكَرَامَةِ، وَقَدْ أَبْهَمَهُ فَلَمْ يُعَيِّنْهُ لِلدَّلَالَةِ عَلَى عِظَمِهِ وَعَلَى كَوْنِهِ غَيْبًا لَا يُكْتَنَهُ كُنْهُهُ فِي هَذِهِ الدَّارِ، ثُمَّ اخْتَتَمَ الْكَلَامَ بِفَضْلِهِ عَلَى إِخْوَانِهِمْ كَمَا افْتَتَحَهُ بِهِ، وَتَرَكَ الْعَطْفَ لِتَنْزِيلِ الِاسْتِبْشَارِ الثَّانِي مَنْزِلَةَ الِاسْتِبْشَارِ الْأَوَّلِ حَتَّى كَأَنَّهُ هُوَ اهـ. لَيْسَ عِنْدِي فِي ذَلِكَ عَنْهُ غَيْرُ هَذَا.

وَقَوْلُهُ: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ جُمْلَةٌ ابْتِدَائِيَّةٌ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَخَبَرِيَّةٌ عَلَى الْوَجْهَيْنِ الْآخَرَيْنِ مِمَّا تَقَدَّمَ. وَقَدْ يُقَالُ: إِنَّ أُولَئِكَ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ هُمْ خِيَارُ الْمُؤْمِنِينَ، وَكُلُّهُمْ مِنَ الْمُحْسِنِينَ الْمُتَّقِينَ، فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ " مِنْهُمْ "؟ وَأَجَابُوا عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ " مِنْ " هُنَا لِلتَّبْيِينِ لَا لِلتَّبْعِيضِ، وَأَنَّ الْوَصْفَ بِالْإِحْسَانِ وَالتَّقْوَى لِلْمَدْحِ وَالتَّعْلِيلِ لَا لِلتَّقْيِيدِ، وَاخْتَارَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ قَوْلَ مَنْ قَالَ إِنَّ " مِنْ " لِلتَّبْعِيضِ وَقَالَ هِيَ فِي مَحَلِّهَا ; لِأَنَّ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الصَّادِقِينَ مَنْ لَمْ يَخْرُجْ مَعَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى " حَمْرَاءِ الْأَسَدِ " أَيْ وَهُمْ مِنَ الَّذِينَ لَا يُضَيِّعُ اللهُ أَجْرَهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ لَا يَسْتَحِقُّونَ الْأَجْرَ الْعَظِيمَ الَّذِي اسْتَحَقَّهُ الَّذِينَ خَرَجُوا مَعَهُ وَهُمْ مُثْقَلُونَ بِالْجِرَاحِ وَمُرْهَقُونَ مِنَ الْإِعْيَاءِ إِلَى اسْتِئْنَافِ قِتَالِ أَضْعَافِهِمْ مِنَ الْأَقْوِيَاءِ.

أَقُولُ: فَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ " مِنْهُمْ " رَاجِعٌ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لِلْمُؤْمِنِينَ لَا لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا،

<<  <  ج: ص:  >  >>