وَإِعَادَةِ مَجْدِ الْإِسْلَامِ وَسِيَادَتِهِ، فَإِنَّ أَهْلَ السُّنَّةِ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ آلَ عَلِيٍّ أَصَحُّ بُطُونِ قُرَيْشٍ أَنْسَابًا. وَأَكْرَمُهَا أَحْسَابًا، وَأَنَّ الْخِلَافَةَ فِي قُرَيْشٍ، فَإِنْ وُجِدَ فِيهِمْ مَنْ تَجْتَمِعُ فِيهِ سَائِرُ شُرُوطِهَا وَيَرْضَاهُ أَهْلُ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ مِنَ الْأُمَّةِ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ غَيْرِهِ. كَلَّا إِنَّهُمْ يَنْتَظِرُونَ تَجْدِيدَ الْإِسْلَامِ وَإِقَامَتِهِ بِظُهُورِ الْمَهْدِيِّ، وَعَامَّةُ الْمُسْلِمِينَ يَنْتَظِرُونَهُ مَعَهُمْ، فَلْيَكْتَفُوا بِهَذَا وَيَكُفُّوا عَنْ تَأْلِيفِ الْكُتُبِ فِي الطَّعْنِ فِي الصَّحَابَةِ الْكِرَامِ، وَبِحَمَلَةِ السُّنَّةِ وَحُفَّاظِهَا الْأَعْلَامِ، وَإِثَارَةِ الْأَحْقَادِ وَالْأَضْغَانِ، الَّتِي لَا فَائِدَةَ لَهُمْ مِنْهَا فِي هَذَا الزَّمَانِ، إِلَّا التَّقَرُّبَ إِلَى غُلَاتِهِمْ مِنَ الْعَوَامِّ، طَمَعًا فِي الْجَاهِ الْبَاطِلِ وَالْحُطَامِ، وَإِنَّمَا فَائِدَتُهَا الْحَقِيقِيَّةُ لِلْأَجَانِبِ مِنْ أَعْدَاءِ الْإِسْلَامِ، وَمِنَ الْعَجَائِبِ أَنَّ شِيعَةَ الْأَعَاجِمِ فِي إِيرَانَ قَدْ شَعَرُوا بِضَرَرِ الْغُلُوِّ، وَبِالْحَاجَةِ إِلَى الْوَحْدَةِ دُونَ شِيعَةِ الْعَرَبِ فِي الْعِرَاقِ وَسُورِيَةَ فَقَدْ بَلَغَنَا عَنْهُمْ مَا نَرْجُو أَنْ يَكُونَ بِهِ خَيْرَ قُدْوَةٍ لَهُمْ وَاللهُ الْمُوَفِّقُ.
انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ
رُوِيَ عَنْ أَبِي الضُّحَى مُسْلِمِ بْنِ صُبَيْحٍ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ أَوَّلُ مَا نَزَلَ مِنْ هَذِهِ
السُّورَةِ ثُمَّ نَزَلَ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَا يَصِحُّ بِهَذَا نَقْلٌ، وَلَا يَقْبَلْهُ فَهْمٌ وَلَا عَقْلٌ. وَالْمُتَبَادَرُ مِنْ هَذَا السِّيَاقِ أَنَّ أَوَّلَهُ خِطَابُ اللهِ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي قِتَالِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَمَا يُسَوِّغُهُ وَمَا يَنْتَهِي بِهِ مِنْ قَبُولِ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ، وَيَتْلُوهُ إِنْكَارُهُ عَلَيْهِمُ التَّثَاقُلَ عَنِ النَّفْرِ إِذِ اسْتَنْفَرَهُمُ الرَّسُولُ لِغَزْوَةِ تَبُوكَ، وَمَا قَبْلَهُ مِنْ أَوَّلِ السُّورَةِ سِيَاقٌ مُسْتَقِلٌّ تَكَلَّمْنَا عَلَيْهِ فِي أَوَّلِ تَفْسِيرِ السُّورَةِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ السُّورَةَ نَزَلَتْ كُلَّهَا بَعْدَ غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَمَا قِيلَ مِنِ اسْتِثْنَاءِ الْآيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ فِي آخِرِهَا. فَإِنْ صَحَّ أَنَّ شَيْئًا نَزَلَ مِنْهَا قَبْلَ السَّفَرِ فَهَذَا السِّيَاقُ مِنْ أَوَّلِهِ إِلَى آخِرِهِ لَا هَذِهِ الْآيَةُ وَحْدَهَا، وَأَمَّا مَا بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ فَظَاهِرٌ أَنَّ أَكْثَرَهُ نَزَلَ فِي أَثْنَاءِ السَّفَرِ، وَمِنْهُ مَا نَزَلَ بَعْدَهُ كَمَا سَنُوَضِّحُهُ.
وَأَمَّا وَجْهُ اتِّصَالِ الْآيَةِ بِمَا قَبْلَهَا فَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا وَبَّخَ اللهُ تَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ عَلَى التَّثَاقُلِ عَنِ النَّفْرِ لَمَّا اسْتَنْفَرَهُمُ الرَّسُولُ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ، قَفَّى عَلَيْهِ بِبَيَانِ حُكْمِ النَّفِيرِ الْعَامِّ، الَّذِي يُوجِبُ الْقِتَالَ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ مِنَ الْأَفْرَادِ بِمَا اسْتَطَاعَ، وَلَا يُعْذَرُ فِيهِ أَحَدٌ بِالتَّخَلُّفِ عَنِ الْإِقْدَامِ، وَتَرْكِ طَاعَةِ الْإِمَامِ، فَقَالَ:
انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا الْخِفَافُ بِالْكَسْرِ جَمْعُ خَفِيفٍ وَالثِّقَالُ جَمْعُ ثَقِيلٍ. وَالْخِفَّةُ وَالثِّقَلُ يَكُونَانِ بِالْأَجْسَامِ وَصِفَاتِهَا مِنْ صِحَّةٍ وَمَرَضٍ، وَنَحَافَةٍ وَسِمْنٍ، وَشَبَابٍ وَكِبَرٍ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute