هَذَا وَإِنَّنِي أَعْتَقِدُ أَنَّ قَائِلِي مَا ذَكَرَهُ الْمُفَسِّرُونَ مِنْ تَحْرِيفِ الرَّافِضَةِ لِلْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَلِلْأَحَادِيثِ الشَّرِيفَةِ فِي مَنَاقِبِ الصِّدِّيقِ لَيْسُوا مِنَ الْجَهْلِ بِاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ
بِحَيْثُ يَعْتَقِدُونَ صِحَّةَ مَا قَالُوا وَمَا كَتَبُوا، وَإِنَّمَا هُمْ قَوْمٌ بُهْتٌ يَجْحَدُونَ مَا يَعْتَدُونَ، وَيَفْتَرُونَ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ، وَيُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ كَالْيَهُودِ الْأَوَّلِينَ الَّذِينَ حَرَّفُوا الْبِشَارَاتِ بِمُحَمَّدٍ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ، وَكَدُعَاةِ النَّصْرَانِيَّةِ فِي هَذَا الْعَصْرِ، وَالَّذِينَ وَضَعُوا لَهُمْ قَوَاعِدَ الرَّفْضِ وَخُطَطَ التَّأْوِيلِ وَالتَّحْرِيفِ هُمْ مَلَاحِدَةُ الشِّيعَةِ الْبَاطِنِيَّةِ أَعْدَاءُ الْإِسْلَامِ، الَّذِينَ كَانُوا يَتَوَسَّلُونَ بِهَا إِلَى هَدْمِ هَذَا الدِّينِ، وَإِزَالَةِ مُلْكِ الْعَرَبِ؛ تَمْهِيدًا لِإِعَادَةِ الدِّيَانَةِ الْمَجُوسِيَّةِ وَالسُّلَطَةِ الْكِسْرَوِيَّةِ، وَقَدْ وَضَعُوا لَهُمْ مِنَ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ عَنْ أَئِمَّةِ آلِ الْبَيْتِ فِي تَحْرِيفِ الْقُرْآنِ وَالْغُلُوِّ فِيهِمْ، وَمِنْ قَوَاعِدِ الْبِدَعِ مَا كَانُوا بِهِ شَرَّ فِرَقِ الْمُبْتَدِعَةِ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَقَدْ بَرَعُوا فِي تَرْبِيَةِ عَوَامِّهِمْ عَلَى بِدَعِهِمْ بِمَا فِيهَا مِنَ الْغُلُوِّ فِي تَعْظِيمِ عَلِيٍّ وَآلِهِ بِمَا هُوَ وَرَاءَ مُحِيطِ الدِّينِ وَالْعَقْلِ وَاللُّغَةِ، وَالْغُلُوِّ فِي بُغْضِ الصِّدِّيقِ وَالْفَارُوقِ وَذِي النُّورَيْنِ وَأَكَابِرِ الْمُهَاجِرِينَ وَجُمْهُورِ الصَّحَابَةِ، وَالطَّعْنِ فِيهِمْ بِمَا هُوَ وَرَاءَ مُحِيطِ الدِّينِ وَالْعَقْلِ وَاللُّغَةِ أَيْضًا. وَإِنَّمَا خَصُّو الْخَلِيفَتَيْنِ الْأَوَّلَيْنَ مِنْهُمْ بِمَزِيدِ الْبُغْضِ وَالذَّمِّ؛ لِأَنَّهُمَا هُمَا اللَّذَانِ جَهَّزَا الْجُيُوشَ وَسَيَّرُوهَا إِلَى بِلَادِ فَارِسَ فَفَتَحُوهَا وَأَزَالُوا دِينَهَا وَمُلْكَهَا مِنَ الْوُجُودِ. وَقَدْ صَارَتْ هَذِهِ التَّقَالِيدُ رَاسِخَةً بِالتَّرْبِيَةِ وَالْوِرَاثَةِ حَتَّى صَارَ مَنْ يُسَمُّونَهُمُ الْعُلَمَاءُ الْمُجْتَهِدِينَ يَكْتُبُونَ مِثْلَ مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ بَعْضِ الْمُعَاصِرِينَ مِنْهُمْ فِي الْكَلَامِ عَلَى غَزْوَةِ حُنَيْنٍ، وَهُوَ أَعْرَقُ فِي الْغُلُوِّ، وَأَرْسَخُ فِي الْجَهْلِ مِمَّا نَقَلَهُ الرَّازِيُّ وَالْآلُوْسِيُّ هُنَا عَنْ بَعْضِ مُتَقَدِّمِيهِمْ. فَإِذَا كَانَ هَذَا حَالُ مَنْ يُسَمُّونَهُمُ الْعُلَمَاءُ الْمُجْتَهِدِينَ، فَكَيْفَ يَكُونُ حَالُ مَنْ وَطَّنُوا أَنْفُسَهُمْ عَلَى التَّقْلِيدِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ؟ ثُمَّ كَيْفَ حَالُ عَوَامِّهِمُ الَّذِينَ يُلَقِّنُونَهُمْ هَذِهِ الْأَضَالِيلَ وَيُرَبُّونَهُمْ عَلَى بُغْضِ مَنْ أَقَامَ اللهُ بِهِمْ صَرْحَ هَذَا الدِّينِ، وَصَرَّحَ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ بِأَنَّهُ رَضِيَ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ، وَعَلَى لَعْنِ مَنْ فَضَّلَهُ اللهُ وَرَسُولُهُ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ؟ وَنَاهِيكَ بِهَذِهِ الْآيَةِ تَفْضِيلًا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلًا (٤: ١٢٢) .
أَلَا إِنَّ هَؤُلَاءِ الرَّوَافِضَ شَرُّ مُبْتَدِعَةِ هَذِهِ الْمِلَّةِ، وَأَشَدُّهُمْ بَلَاءً عَلَيْهَا، وَتَفْرِيقًا لِكَلِمَتِهَا، وَقَدْ سَكَنَتْ رِيَاحُ التَّفْرِيقِ الَّتِي أَثَارَهَا غَيْرُهُمْ مِنَ الْفِرَقِ فِي الْإِسْلَامِ،
وَبَقِيَتْ رِيحُهُمْ عَاصِفَةٌ وَحْدَهَا، فَهَؤُلَاءِ الْإِبَاضِيَّةُ لَا يَزَالُ فِيهِمْ كَثْرَةٌ وَإِمَارَةٌ، وَلَا نَرَاهُمْ يُثِيرُونَ بِهَا مِثْلَ هَذِهِ الْعَدَاوَةِ. وَلَوْ كَانُوا يَقِفُونَ عِنْدَ حَدِّ تَفْضِيلِ عَلِيٍّ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ كَانَ أَحَقَّ بِالْخِلَافَةِ مِنْهُ لَهَانَ الْأَمْرُ، وَأَمْكَنَ أَنْ يَتَّحِدُوا مَعَ أَهْلِ السُّنَّةِ الَّذِينَ يَعْذُرُونَهُمْ بِاعْتِقَادِهِمْ هَذَا إِذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ ضَرَرٌ، وَيَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ، وَلَا يَتَفَرَّقُوا هَذَا التَّفَرُّقَ وَلَا يَتَعَادُّوا هَذَا التَّعَادِيَ اللَّذَيْنِ أَضْعَفَا الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ، وَمَزَّقَا مُلْكَهُ كُلَّ مُمَزَّقٍ، حَتَّى اسْتَذَلَّ الْأَجَانِبُ أَكْثَرَ أَهْلِهِ، وَهُمْ لَا يَزَالُونَ يُشْغِلُونَ الْمُسْلِمِينَ بِالتَّعَادِي عَلَى مَا مَضَى مِنَ التَّنَازُعِ فِي مَسْأَلَةِ الْخِلَافَةِ، وَيُؤَلِّفُونَ الْكُتُبَ وَالرَّسَائِلَ فِي الْقَدْحِ فِي الصَّحَابَةِ. وَيَالَيْتَهُمْ يَطْلُبُونَ إِعَادَةَ الْخِلَافَةِ لِأَهْلِ الْبَيْتِ وَتَجْدِيدَهَا؛ لِإِقَامَةِ دِينِ اللهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute