للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَدْ كَانَ الْيَهُودُ فِي الْحِجَازِ كَالْمُشْرِكِينَ أَشَدَّ عَدَاوَةً لِلْمُسْلِمِينَ وَمُقَاوَمَةً لَهُمْ، كَمَا أَخْبَرَنَا الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ، ثُمَّ كَانَ مِنْ مَصْلَحَتِهِمْ فَوْزُ الْمُسْلِمِينَ فِي فَتْحِ سُورِيَّةَ وَفِلَسْطِينَ، ثُمَّ الْأَنْدَلُسِ لِيَسْلَمُوا بَعْدَهَا مَنْ ظُلْمِ النَّصَارَى لَهُمْ فِي تِلْكَ الْبِلَادِ،

فَكَانُوا مَغْبُوطِينَ بِالْفَتْحِ الْإِسْلَامِيِّ، وَقَدْ كَانُوا يُظْلَمُونَ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ فِي جَمِيعِ بِقَاعِ الْأَرْضِ غَيْرِ الْإِسْلَامِيَّةِ، حَتَّى كَانَ مَا كَانَ ـ بِكَيْدِهِمْ وَسَعْيِهِمْ ـ مِنْ هَدْمِ صُرُوحِ اسْتِبْدَادِ الْبَابَوَاتِ وَالْمُلُوكِ الْمُسْتَعْبِدِينَ لَهُمْ فِي أُورُبَّا، وَإِدَالَةِ الْحُكُومَاتِ الْمَدَنِيَّةِ مِنْ حُكْمِ الْكَنِيسَةِ، فَظَلُّوا يُظْلَمُونَ فِي رُوسِيَّةَ وَإِسْبَانِيَّةَ؛ لِأَنَّ السُّلْطَةَ فِيهِمَا دِينِيَّةٌ، وَقَدْ كَادُوا وَلَا يَزَالُونَ يَكِيدُونَ لِهَدْمِ نُفُوذِ الدِّيَانَةِ النَّصْرَانِيَّةِ مِنْ هَاتَيْنِ الْمَمْلَكَتَيْنِ بِاسْمِ الْحُرِّيَّةِ وَالْمَدَنِيَّةِ وَنُفُوذِ الْجَمْعِيَّةِ الْمَاسُونِيَّةِ كَمَا فَعَلُوا فِي فَرَنْسَا، وَإِنَّ لَهُمْ يَدًا فِيمَا كَانَ فِي رُوسِيَّةَ مِنَ الِانْقِلَابِ، وَفِيمَا تَتَمَخَّضُ بِهِ إِسْبَانِيَّةُ الْآنَ، فَهُمْ يُقَاوِمُونَ كُلَّ سُلْطَةٍ دِينِيَّةٍ تَقِفُ فِي وَجْهِهِمْ لِأَجْلِ تَكْوِينِ سُلْطَةٍ دِينِيَّةٍ لَهُمْ، وَقَدْ كَانَتْ لَهُمْ يَدٌ فِي الِانْقِلَابِ الْعُثْمَانِيِّ، لَا لِأَنَّهُمْ كَانُوا مَظْلُومِينَ أَوْ مُضْطَهَدِينَ فِي الْمَمْلَكَةِ الْعُثْمَانِيَّةِ ; فَإِنَّهُمْ كَانُوا آمَنَ النَّاسِ مِنَ الظُّلْمِ فِيهَا حَتَّى إِنَّهُمْ كَانُوا يَفِرُّونَ إِلَيْهَا لَاجِئِينَ مِنْ ظُلْمِ رُوسِيَّةَ وَغَيْرِهَا، وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ أَنْ يَمْلِكُوا بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَمَا حَوْلَهُ لِيُقِيمُوا فِيهَا مُلْكَ إِسْرَائِيلَ، وَكَانَتِ الْحُكُومَةُ الْعُثْمَانِيَّةُ تُعَارِضُهُمْ فِي امْتِلَاكِ الْأَرْضِ هُنَاكَ فَلَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا مِنْهَا إِلَّا بِالْحِيلَةِ وَالرِّشْوَةِ، وَلَهُمْ مَطَامِعُ أُخْرَى مَالِيَّةٌ فِي هَذِهِ الْبِلَادِ، فَهُمُ الْآنَ يُظْهِرُونَ الْمُسَاعَدَةَ لِلْحُكُومَةِ الْعُثْمَانِيَّةِ الْجَدِيدَةِ لِتُسَاعِدَهُمْ عَلَى مَا يَبْتَغُونَ، فَإِذَا لَمْ تَتَنَبَّهِ الْأُمَّةُ الْعُثْمَانِيَّةُ لِكَيْدِهِمْ، وَتُوَقِّفْ حُكُومَتَهَا عِنْدَ حُدُودِ الْمَصْلَحَةِ الْعَامَّةِ فِي مُسَاعَدَتِهِمْ، فَإِنَّ الْخَطَرَ مِنْ نُفُوذِهِمْ عَظِيمٌ وَقَرِيبٌ ; فَإِنَّهُمْ قَوْمٌ اعْتَادُوا الرِّبَا الْفَاحِشَ فَلَا يَبْذُلُونَ دَانِقًا مِنَ الْمُسَاعَدَةِ إِلَّا لِيَنَالُوا مِثْقَالًا أَوْ قِنْطَارًا مِنَ الْجَزَاءِ، وَإِذَا كَانُوا بِكَيْدِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ قَدْ جَعَلُوا الدَّوْلَةَ الْفَرَنْسِيَّةَ كَكُرَةِ اللَّاعِبِ فِي أَيْدِيهِمْ فَأَزَالُوا مِنْهَا سُلْطَةَ الْكَنِيسَةِ، وَحَمَلُوهَا عَلَى عُقُوقِهَا وَكَانَتْ تُدْعَى بِنْتَ الْكَنِيسَةِ الْبِكْرَ، وَحَمَلُوهَا عَلَى الظُّلْمِ فِي الْجَزَائِرِ وَهِيَ الَّتِي تُفَاخِرُ الْأُمَمَ وَالدُّوَلَ بِالْعَدْلِ وَالْمُسَاوَاةِ، عَمِلُوا فِيهَا عَمَلُهُمْ، وَهِيَ فِي الذُّرْوَةِ الْعُلْيَا مِنَ الْعِلْمِ وَالْمَدَنِيَّةِ، وَالسِّيَاسَةِ، وَالثَّرْوَةِ، وَالْقُوَّةِ، أَفَلَا يَقْدِرُونَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْهُ فِي الْحُكُومَةِ الْعُثْمَانِيَّةِ، وَهِيَ عَلَى مَا نَعْلَمُ مِنَ الْجَهْلِ وَالضَّعْفِ وَالْحَاجَةِ إِلَى الْمَالِ؟ وَطَمَعُهُمْ فِيهَا أَشَدُّ وَخَطَرُهُ أَعْظَمُ، فَإِنَّ بَيْتَ الْمَقْدِسِ لَهُ شَأْنٌ عَظِيمٌ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ وَالنَّصَارَى كَافَّةً، فَإِذَا تَغَلَّبَ الْيَهُودُ فِيهِ لِيُقِيمُوا فِيهِ مُلْكَ إِسْرَائِيلَ وَيَجْعَلُوا الْمَسْجِدَ الْأَقْصَى (هَيْكَلَ سُلَيْمَانَ) وَهُوَ قِبْلَتُهُمْ مَعْبَدًا خَالِصًا لَهُمْ يُوشِكُ أَنْ تَشْتَعِلَ نِيرَانُ الْفِتَنِ وَيَقَعَ مَا نَتَوَقَّعُ مِنَ الْخَطَرِ، وَفِي الْأَحَادِيثِ الْمُنْبِئَةِ عَنْ فِتَنِ آخِرِ الزَّمَانِ مَا هُوَ صَرِيحٌ

فِي ذَلِكَ، فَيَجِبُ أَنْ تَجْتَهِدَ الْأُمَّةُ الْعُثْمَانِيَّةُ فِي دَرْءِ ذَلِكَ، وَمُدَافِعَةِ سَيْلِهِ بِقَدْرِ الِاسْتِطَاعَةِ؛ لِئَلَّا يَقَعَ فِي إِبَّانِ ضَعْفِهَا فَيَكُونَ قَاضِيًا عَلَى سُلْطَتِهَا وَنَسْأَلُ اللهَ السَّلَامَةَ.

مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ هَذَا بَيَانٌ لِلَّذِينِ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ

<<  <  ج: ص:  >  >>