للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا مُوقِعٌ وَتَأْثِيرٌ خَاصٌّ فِي اسْتِمَالَةِ الْكَافِرِينَ إِلَى التَّأَمُّلِ وَالتَّفَكُّرِ فِي مَضْمُونِ الدَّعْوَةِ.

(إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ) أَيْ إِنَّ الَّذِينَ ثَبَتَتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ مِنْ رَبِّكَ وَهِيَ كَلِمَةُ التَّكْوِينِ الدَّالَّةُ عَلَى سُنَّتِهِ فِيمَنْ فَقَدُوا الِاسْتِعْدَادَ لِلِاهْتِدَاءِ، (لَا يُؤْمِنُونَ) لِرُسُوخِهِمْ فِي الْكُفْرِ وَالطُّغْيَانِ، وَإِحَاطَةِ خَطَايَاهُمْ وَجَهَالَاتِهِمْ بِهِمْ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، وَإِعْرَاضِهِمْ عَنْ آيَاتِ الْإِيمَانِ، هَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ: (لَا يُؤْمِنُونَ) لَا أَنَّهُ تَعَالَى مَنَعَهُمْ مِنَ الْإِيمَانِ مَنْعًا خَلْقِيًّا قَهْرِيًّا لَا كَسْبَ لَهُمْ فِيهِ وَلَا اخْتِيَارَ. وَهَذَا بِمَعْنَى الْآيَةِ ٣٣ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ فَرَاجِعْ تَفْسِيرَهَا.

(وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ) مِنَ الْآيَاتِ الْكَوْنِيَّةِ كَآيَاتِ مُوسَى الَّتِي اقْتَرَحُوهَا عَلَيْكَ أَيُّهَا الرَّسُولُ، وَالْآيَاتُ الْمُنَزَّلَةُ كَآيَاتِ هَذَا الْقُرْآنِ الْعِلْمِيَّةِ الْعَقْلِيَّةِ الدَّالَّةِ بِإِعْجَازِهَا عَلَى كَوْنِهَا مِنْ عِنْدِ اللهِ، وَعَلَى حَقِّيَّةِ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ وَتُنْذِرُهُمْ إِيَّاهُ (حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ) بِأَعْيُنِهِمْ، وَيَذُوقُوهُ بِوُقُوعِهِ بِهِمْ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ إِيمَانُهُمُ اضْطِرَارِيًّا لَا يُعَدُّ فِعْلًا مِنْ أَفْعَالِهِمْ،

وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ عَمَلٌ يُطَهِّرُهُمْ وَيُزَكِّي أَنْفُسَهُمْ، بَلْ يُقَالُ لَهُمْ: (آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ) (٥١) كَمَا قِيلَ لِفِرْعَوْنَ: (آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) (٩١) .

(فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةً آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ) .

هَذِهِ الْآيَاتُ الثَّلَاثُ تَفْرِيعٌ عَلَى اللَّوَاتِي قَبْلَهُنَّ، وَتَكْمِيلٌ لَهُنَّ فِي بَيَانِ سُنَّةِ اللهِ فِي الْأُمَمِ مَعَ رُسُلِهِمْ وَفِي خَلْقِ الْبَشَرِ مُسْتَعِدِّينَ لِلْأُمُورِ الْمُتَضَادَّةِ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ، وَفِي تَعَلُّقِ مَشِيئَةِ اللهِ وَحِكْمَتِهِ بِأَفْعَالِهِ وَأَفْعَالِ عِبَادِهِ وَوُقُوعِهَا عَلَى وَفْقِهِمَا.

(فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا) لَوْلَا هَذِهِ لِلتَّخْصِيصِ كَمَا قَالَ أَئِمَّةُ اللُّغَةِ وَالنَّحْوِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>