للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِتَرْكِهِمَا، ثُمَّ تَتُوبُوا إِلَيْهِ كُلَّمَا وَقَعَ مِنْكُمْ مَعْصِيَةٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِثْلُ هَذَا غَيْرَ مَرَّةٍ - إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ - هَذَا تَعْلِيلٌ لِمَا قَبْلَهُ، أَيْ: عَظِيمُ الرَّحْمَةِ لِلْمُسْتَغْفِرِينَ التَّائِبِينَ بِمَغْفِرَتِهِ وَعَفْوِهِ، كَثِيرُ الْمَوَدَّةِ لَهُمْ بِإِحْسَانِهِ وَنِعَمِهِ، وَالْمَوَدَّةُ فِي اللُّغَةِ عَطْفُ الصِّلَةِ وَالْإِكْرَامُ بِالْفِعْلِ كَمَا يُعْلَمُ مِنَ اسْتِعْمَالِهَا، وَتَسَاهَلَ أَوْ غَلَطَ مَنْ فَسَّرَهَا بِالْمَحَبَّةِ، وَهَذَا وَعْدٌ قُفِّيَ بِهِ عَلَى الْوَعِيدِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَتَرَكَ لَهُمُ الْخِيَارَ فِيمَا يُرَجِّحُونَهُ مِنْهُمَا بَعْدَ إِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ، وَالْآيَةُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النَّدَمَ عَلَى فِعْلِ الْفَسَادِ وَالظُّلْمِ بِالتَّوْبَةِ وَاسْتِغْفَارِ الرَّبِّ - تَعَالَى - مِنْ أَسْبَابِ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، كَمَا تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ مُكَرَّرًا فِي هَذِهِ السُّورَةِ، وَكَذَلِكَ يَقْتَضِيَانِ فِعْلَ الْعَدْلِ وَالصَّلَاحِ اللَّذَيْنِ هُمَا سَبَبُ الْعُمْرَانِ وَالْخَيْرِ فِي الدُّنْيَا، وَمَغْفِرَةِ اللهِ وَمَثُوُبَتِهِ فِي الْآخِرَةِ، وَقَدْ عَبَّرَ عَنْهُمَا هُنَا بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِمَا مِنْ صِفَاتِهِ - تَعَالَى - وَهِيَ الرَّحْمَةُ وَالْمَوَدَّةُ، وَارْجِعْ إِلَى مَا عَبَّرَ بِهِ عَنْ فَائِدَةِ الِاسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَةِ فِي الْآيَةِ الثَّالِثَةِ و٥٢ و٦١ وَتَأَمَّلْ هَذِهِ الْبَلَاغَةَ وَالتَّفَنُّنَ فِي بَيَانِ الْمَعْنَى الْوَاحِدِ.

قَالُوا يَاشُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ (٩١) قَالَ يَاقَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (٩٢) وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ (٩٣) وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ (٩٤) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ (٩٥) .

هَذِهِ الْآيَاتُ الْخَمْسُ فِي بَيَانِ تَحَوُّلِ قَوْمِ شُعَيْبٍ عَنْ مُجَادَلَتِهِ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَى الْإِهَانَةِ وَالتَّهْدِيدِ، وَمُقَابَلَتِهِ إِيَّاهُمْ بِالْإِنْذَارِ بِقُرْبِ الْوَعِيدِ، وَنُزُولِ الْعَذَابِ الشَّدِيدِ، وَوُقُوعِ ذَلِكَ بِالْفِعْلِ الْعَتِيدِ.

-

<<  <  ج: ص:  >  >>