للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ أُولَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ) (٨٠: ٣٨ - ٤١) وَأَمَّا بَعْدَ الدُّخُولِ فِيهَا فَالتَّمْيِيزُ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ مِنْ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ وَذِكْرُهُ عَبَثٌ يُنَزَّهُ عَنْهُ التَّنْزِيلُ، إِلَّا إِذَا أُرِيدَ مَعْرِفَةُ أَشْخَاصٍ مُعَيَّنِينَ وَهُوَ لَا يَظْهَرُ هُنَا وَإِنَّمَا يَظْهَرُ فِي قَوْلِهِ: (وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ) (٧: ٤٨) فَهَذِهِ سِيمَا خَاصَّةٌ لِأَنَّهَا لِأَفْرَادٍ مَخْصُوصِينَ، وَتِلْكَ سِيمَا عَامَّةٌ لِأَنَّهَا لِفَرِيقَيْنِ أَفْرَادُهُمَا غَيْرُ مَحْصُورِينَ.

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِيهِمْ عَلَى أَقْوَالٍ عَدَّهَا الْقُرْطُبِيُّ وَغَيْرُهُ اثْنَيْ عَشَرَ قَوْلًا. وَهِيَ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ: (الْأُولَى) أَنَّهُمْ بَعْضُ أَشْرَافِ الْخَلْقِ الْمُمْتَازِينَ. (وَالثَّانِيَةُ) أَنَّهُمُ الَّذِينَ لَيْسُوا مِنَ الْأَخْيَارِ الَّذِينَ رَجَحَتْ حَسَنَاتُهُمْ فَاسْتَحَقُّوا الْجَنَّةَ وَلَا مِنَ الْأَشْرَارِ الَّذِينَ رَجَحَتْ سَيِّئَاتُهُمْ فَاسْتَحَقُّوا النَّارَ، بَلْ تَسَاوَتْ حَسَنَاتُهُمْ وَسَيِّئَاتُهُمْ. وَفِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ أَنَّهُمْ قَوْمٌ خَرَجُوا لِلْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ بِدُونِ إِذْنِ آبَائِهِمْ وَاسْتُشْهِدُوا، فَمَنَعَهُمْ مِنْ دُخُولِ النَّارِ قَتْلُهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَمِنْ دُخُولِ الْجَنَّةِ مَعْصِيَةُ آبَائِهِمْ - وَهَذَا خَاصٌّ يَدْخُلُ فِي الْعَامِّ الَّذِي قَبْلَهُ. (وَالثَّالِثَةُ) أَنَّهُمْ

أَصْحَابُ صِفَةٍ خَاصَّةٍ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَلَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ بَلْ مَنْزِلَةٍ بَيْنَهُمَا هِيَ الْأَعْرَافُ، وَفِي هَؤُلَاءِ أَقْوَالٌ: (١) أَهْلُ الْفَتْرَةِ: (٢) مُؤْمِنُو الْجِنِّ، وَرَوَى ابْنُ عَسَاكِرَ فِيهِ حَدِيثًا مَرْفُوعًا عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ مِنْ طَرِيقِ الْوَلِيدِ بْنِ مُوسَى الدِّمَشْقِيِّ وَهُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ فِي أَعْدَلِ الْأَقْوَالِ، وَرَمَاهُ بَعْضُهُمْ بِالْوَضْعِ: (٣) أَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ، أَيِ الْكُفَّارُ الَّذِينَ مَاتُوا قَبْلَ سِنِّ التَّكْلِيفِ: (٤) أَوْلَادُ الزِّنَا: (٥) أَهْلُ الْعَجَبِ بِأَنْفُسِهِمْ وَهَذَانَ الْقَوْلَانِ لَا وَجْهَ لَهُمَا الْبَتَّةَ. (٦) آخِرُ مَنْ يَفْصِلُ اللهُ بَيْنَهُمْ وَهُمْ عُتَقَاؤُهُ مِنَ النَّارِ، وَفِيهِ حَدِيثٌ مُرْسَلٌ حَسَنُ الْإِسْنَادِ، وَيَرَى بَعْضُهُمْ أَنَّ هَؤُلَاءِ هُمُ الَّذِينَ اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُمْ وَسَيِّئَاتُهُمْ وَلَكِنْ وَرَدَ فِي الصِّحَاحِ أَنَّ آخِرَ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ " أَقْوَامٌ كَانُوا قَدِ امْتَحَشُوا فِي النَّارِ لَمْ يَعْمَلُوا خَيْرًا قَطُّ، فَيُخْرِجُهُمُ اللهُ مِنْهَا وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ فَيَقُولُ فِيهِمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ: هَؤُلَاءِ عُتَقَاءُ الرَّحْمَنِ أَدْخَلَهُمُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ وَلَا خَيْرٍ قَدَّمُوهُ " وَذَلِكَ بَعْدَ إِخْرَاجِ مَنْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنَ الْإِيمَانِ مِنَ النَّارِ، كَمَا فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فِي الصَّحِيحَيْنِ.

وَأَمَّا الْقَائِلُونَ بِالْمَرْتَبَةِ الْأُولَى فَلَهُمْ أَقْوَالٌ: (١) أَنَّهُمْ مَلَائِكَةٌ يَعْرِفُونَ أَهْلَ الْجَنَّةِ وَأَهْلَ النَّارِ، رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ قَالَ الْحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ بَعْدَ إِيرَادِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ: وَهَذَا صَحِيحٌ إِلَى أَبِي مِجْلَزٍ لَاحِقِ بْنِ حُمَيْدٍ أَحَدِ التَّابِعِينَ وَهُوَ غَرِيبٌ مِنْ قَوْلِهِ وَخِلَافُ الظَّاهِرِ مِنَ السِّيَاقِ اهـ. وَإِنَّمَا عَدُّهُ غَرِيبًا عَنْهُ لِمُخَالَفَتِهِ لِقَوْلِ الْجُمْهُورِ وَلِتَسْمِيَتِهِ الْمَلَائِكَةَ رِجَالًا وَهُمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>