للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثُمَّ قَالَ فِيهِمْ: يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَيْ يُؤْمِنُونَ إِيمَانًا إِذْعَانِيًّا وَهُوَ مَا يُثْمِرُ الْخَشْيَةَ لِلَّهِ وَالِاسْتِعْدَادَ لِذَلِكَ الْيَوْمِ لَا إِيمَانًا جِنْسِيًّا لَا حَظَّ لِصَاحِبِهِ مِنْهُ إِلَّا الْغُرُورُ وَالدَّعْوَى كَمَا هُوَ شَأْنُ الْأَكْثَرِينَ مِنْ أَبْنَاءِ جِنْسِهِمْ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ صَوْتٌ فِي جُمْهُورِ أُمَّتِهِمْ لِغَلَبَةِ الْفِسْقِ وَالْفَسَادِ عَلَيْهَا كَمَا هُوَ مُدَوَّنٌ فِي التَّارِيخِ، وَبِذَلِكَ تَتَّفِقُ الْآيَاتُ الْوَارِدَةُ فِيهِمْ، وَلَا غَرَابَةَ فِي ذَلِكَ فَقَدِ اتَّبَعْنَا سُنَنَهُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ حَتَّى تَرَكَ سَوَادُنَا الْأَعْظَمُ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ بِحَيْثُ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ الْأُمَّةَ تَرَكَتْهُ إِلَّا أَفْرَادًا قَلِيلِينَ لَا تَأْثِيرَ لَهُمْ فِي الْمَجْمُوعِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ كَمَا هُوَ شَأْنُ الْمُؤْمِنِ الْمُخْلِصِ لَا يَتَبَاطَأُ عَمَّا يَعِنُّ لَهُ مِنَ الْخَيْرِ وَإِنَّمَا يَتَبَاطَأُ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ كَمَا قَالَ - تَعَالَى - فِي الْمُنَافِقِينَ: وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلًا [٤: ١٤٢] فَلَا غَرْوَ أَنْ يَقُولَ فِيهِمْ بَعْدَ هَذِهِ الْأَعْمَالِ الَّتِي كَانُوا يُوَاظِبُونَ عَلَيْهَا: وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ الَّذِينَ صَلُحَتْ نُفُوسُهُمْ فَاسْتَقَامَتْ أَحْوَالُهُمْ وَحَسُنَتْ أَعْمَالُهُمْ.

ثُمَّ قَالَ: وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ أَيْ فَلَنْ يَضِيعَ ثَوَابُهُ كَمَا يُكْفَرُ

الشَّيْءُ أَيْ يُسْتَرُ حَتَّى كَأَنَّهُ غَيْرُ مَوْجُودٍ، وَقَدْ سَمَّى اللهُ - تَعَالَى - إِثَابَتَهُ لِلْمُحْسِنِينَ شُكْرًا وَسَمَّى نَفْسَهُ شَكُورًا فَحَسُنَ فِي مُقَابَلَةِ هَذَا أَنْ يُعَبِّرَ عَنْ عَدَمِ الْإِثَابَةِ بِالْكُفْرِ الَّذِي يُقَابِلُ الشُّكْرَ. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: إِنَّ " كَفَرَ " عُدِّيَ هُنَا إِلَى مَفْعُولَيْنِ لِتَضْمِينِهِ مَعْنَى الْحِرْمَانِ، فَالْمَعْنَى: لَنْ يُحْرَمُوا جَزَاءَهُ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ وَإِنَّمَا يَجْزِي الْعَامِلِينَ بِحَسَبِ مَا يَعْلَمُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَا تَنْطَوِي عَلَيْهِ نُفُوسُهُمْ مِنْ نِيَّاتِهِمْ وَسَرَائِرِهِمْ، فَمَنْ آمَنَ إِيمَانًا صَحِيحًا وَاتَّقَى مَا يُفْسِدُ عَلَيْهِ ثَمَرَاتِ إِيمَانِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ، فَلَا عِبْرَةَ بِجِنْسِيَّاتِ الْأَدْيَانِ وَإِنَّمَا الْعِبْرَةُ بِالتَّقْوَى مَعَ الْإِيمَانِ.

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ

قَالَ (الرَّازِيُّ) فِي وَجْهِ الِاتِّصَالِ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَاتِ وَمَا قَبْلَهَا: اعْلَمْ أَنَّ اللهَ - تَعَالَى - ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ مَرَّةً أَحْوَالَ الْكَافِرِينَ فِي كَيْفِيَّةِ الْعِقَابِ، وَأُخْرَى أَحْوَالَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الثَّوَابِ، جَامِعًا بَيْنَ الزَّجْرِ وَالتَّرْغِيبِ، وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ، فَلَمَّا وَصَفَ مَنْ آمَنَ مِنَ الْكَافِرِينَ بِمَا تَقَدَّمَ

<<  <  ج: ص:  >  >>