للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تَقُولُ فِيهِ لَهُمْ: أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ إِلَخْ. أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُمَا عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ بَلَغَهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ أَنَّ كُرْزَ بْنَ جَابِرٍ الْمُحَارِبِيَّ يُرِيدُ أَنْ يُمِدَّ الْمُشْرِكِينَ ; فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَأَنْزَلَ اللهُ: أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ إِلَخْ. فَبَلَغَتْ كُرْزًا الْهَزِيمَةُ فَلَمْ يُمِدَّ الْمُشْرِكِينَ. وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ وَعَنْ غَيْرِهِ، وَذَكَرَ الْخِلَافَ فِي حُصُولِ هَذَا الْإِمْدَادِ بِالْفِعْلِ وَأَنَّ بَعْضَهُمْ يَقُولُ: إِنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ، وَبَعْضَهُمْ قَالَ: إِنَّهُ حَصَلَ يَوْمَ بَدْرٍ، وَنُقِلَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّ الْوَعْدَ بِالْإِمْدَادِ - وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ بِبَدْرٍ - عَامٌّ فِي كُلِّ الْحُرُوبِ، وَأَنَّهُمْ أُمِدُّوا فِي حَرْبِ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ وَالْأَحْزَابِ، وَلَمْ يُمَدُّوا يَوْمَ أُحُدٍ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَصْبِرُوا وَلَمْ يَتَّقُوا. وَرُوِيَ عَنِ الضَّحَّاكِ أَنَّ هَذَا كَانَ مَوْعِدًا مِنَ اللهِ يَوْمَ أُحُدٍ عَرَضَهُ عَلَى نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ إِنِ اتَّقَوْا وَصَبَرُوا أَمَدَّهُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ. وَرُوِيَ نَحْوُهُ عَنِ ابْنِ زَيْدٍ قَالَ: " قَالُوا لِرَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُمْ يَنْظُرُونَ الْمُشْرِكِينَ: أَلَيْسَ اللهُ يُمِدُّنَا كَمَا أَمَدَّنَا يَوْمَ بَدْرٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلَيْنِ وَإِنَّمَا أَمَدَّكُمْ يَوْمَ بَدْرٍ بِأَلْفٍ. قَالَ: فَجَاءَتِ الزِّيَادَةُ بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوَّمِينَ الْفَوْرُ: فِي الْأَصْلِ فَوَرَانُ الْقِدْرِ وَنَحْوِهَا، ثُمَّ اسْتُعِيرَ الْفَوْرُ لِلسُّرْعَةِ، ثُمَّ سُمِّيَتْ بِهِ الْحَالَةُ الَّتِي لَا رَيْثَ فِيهَا وَلَا تَعْرِيجَ مِنْ صَاحِبِهَا عَلَى شَيْءٍ، فَمَعْنَى وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ مِنْ سَاعَتِهِمْ هَذِهِ بِدُونِ إِبْطَاءٍ وَمُسَوِّمِينَ مِنَ التَّسْوِيمِ، قَرَأَهَا ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو وَعَاصِمٌ وَيَعْقُوبُ

بِكَسْرِ الْوَاوِ الْمُشَدَّدَةِ، وَالْبَاقُونَ بِفَتْحِهَا. وَقَدْ وَرَدَ سَوَّمَهُ الْأَمْرَ بِمَعْنَى كَلَّفَهُ إِيَّاهُ، وَسَوَّمَ فُلَانًا: خَلَّاهُ، وَسَوَّمَهُ فِي مَالِهِ: حَكَّمَهُ وَصَرَّفَهُ، وَسَوَّمَ الْخَيْلَ: أَرْسَلَهَا، وَكُلُّ هَذِهِ الْمَعَانِي ظَاهِرَةٌ عَلَى قِرَاءَةِ فَتْحِ الْوَاوِ مِنْ (مُسَوَّمِينَ) فَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى: إِنَّ هَؤُلَاءِ الْمَلَائِكَةِ يَكُونُونَ مُكَلَّفِينَ مِنَ اللهِ تَثْبِيتَ قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ، أَوْ مُحَكَّمِينَ وَمُصَرَّفِينَ فِيمَا يَفْعَلُونَهُ فِي النُّفُوسِ مِنْ إِلْهَامِ النَّصْرِ بِتَثْبِيتِ الْقُلُوبِ وَالرَّبْطِ عَلَيْهَا. أَوْ مُرْسَلِينَ مِنْ عِنْدِهِ - تَعَالَى -. وَأَمَّا قِرَاءَةُ كَسْرِ الْوَاوِ (مُسَوِّمِينَ) فَهِيَ مِنْ قَوْلِهِمْ سَوَّمَ عَلَى الْقَوْمِ إِذَا أَغَارَ فَفَتَكَ بِهِمْ وَلَوْ بِالْإِعَانَةِ الْمَعْنَوِيَّةِ عَلَى ذَلِكَ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّهُ مِنَ التَّسْوِيمِ بِمَعْنَى إِظْهَارِ سِيمَا الشَّيْءِ أَيْ عَلَامَتِهِ، أَيْ مُعَلِّمِينَ أَنْفُسَهُمْ أَوْ خَيْلَهُمْ وَهُوَ كَمَا تَرَى - لَوْلَا الرِّوَايَةُ - لَمْ يَخْطُرْ عَلَى بَالِ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: مُسَوِّمِينَ لِلْمُؤْمِنِينَ بِمَا يَظْهَرُ عَلَيْهِمْ مِنْ سِيمَا تَثْبِيتِهِمْ إِيَّاهُمْ.

قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ بَعْدَ ذِكْرِ الْخِلَافِ فِي هَذَا الْإِمْدَادِ مَا نَصَّهُ: " وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللهَ أَخْبَرَ عَنْ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لِلْمُؤْمِنِينَ: أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، ثُمَّ وَعَدَهُمْ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ الْآلَافِ خَمْسَةَ آلَافٍ إِنْ صَبَرُوا لِأَعْدَائِهِمْ وَاتَّقَوْا، وَلَا دَلَالَةَ فِي الْآيَةِ عَلَى أَنَّهُمْ أُمِدُّوا بِالثَّلَاثَةِ الْآلَافِ وَلَا بِالْخَمْسَةِ الْآلَافِ

<<  <  ج: ص:  >  >>