مَا تَتَرَبَّصُونَ بِنَا: وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ فِي مُقَابَلَةِ ذَلِكَ إِحْدَى السُّوءَيَيْنِ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا الْأُولَى: أَنْ يُهْلِكَكُمْ بِقَارِعَةٍ سَمَاوِيَّةٍ لَا كَسْبَ لَنَا فِيهَا، كَمَا أَهْلَكَ مَنْ قَبَلَكُمْ مِنَ الْكَافِرِينَ الَّذِينَ كَذَّبُوا الرُّسُلَ، وَالثَّانِيَةُ: أَنْ يَأْذَنَ لَنَا بِقَتْلِكُمْ، أَنْ أَغْرَاكُمُ الشَّيْطَانُ بِإِظْهَارِ كُفْرِكُمْ، بِهَذَا الِاسْتِدْرَاجِ فِي الِاسْتِمْرَارِ عَلَى إِجْرَامِكُمْ، كَمَا قَالَ فِي سِيَاقِ غَزْوَةِ الْأَحْزَابِ: لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ (٣٣: ٦٠) الْآيَاتِ. وَحَكَمَ الشَّرْعُ أَنَّهُمْ لَا يُقْتَلُونَ مَا دَامُوا يُظْهِرُونَ الْإِسْلَامَ، بِإِقَامَةِ الشَّعَائِرِ، وَأَدَاءِ الْأَرْكَانِ، وَلَا سِيَّمَا الصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ، وَلَمْ تُذْكَرْ هَاتَانِ الْعَاقِبَتَانِ لَهُمْ بِصِيغَةِ الْحَصْرِ كَعَاقِبَتَيِ الْمُؤْمِنِينَ؛ لِجَوَازِ أَنْ يَتُوبُوا عَنْ نِفَاقِهِمْ، وَيَصِحَّ إِيمَانُهُمْ، وَقَدْ تَابَ بَعْضُهُمْ، وَاعْتَرَفُوا بِمَا كَانُوا عَلَيْهِ بَعْدَ ظُهُورِ أَمْرِهِمْ، كَالَّذِينِ أَخْبَرَهُمُ النَّبِيُّ بِمَا ائْتَمَرُوا بِهِ مِنِ اغْتِيَالِهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ، وَمِنَ الْمَعْقُولِ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرُ الْبَاقِينَ قَدْ تَابُوا بَعْدَ أَنْ أَنْجَزَ اللهُ لِرَسُولِهِ جَمِيعَ مَا وَعَدَهُ بِهِ، وَوَقَعَ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَهُ مِنْ تَنْزِيلِ سُورَةٍ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ، وَمِنْهَا فَضِيحَتُهُ تَعَالَى لِزَعِيمِهِمُ الَّذِي مَاتَ عَلَى كُفْرِهِ، وَلَوْ ذُكِرَ ذَلِكَ فِي التَّنْزِيلِ بِصِيغَةِ الْحَصْرِ لَكَانَ خَبَرًا بِخِلَافِ مَا سَيَقَعُ،
وَهُوَ هَلَاكُهُمْ بِكُفْرِهِمْ بِدُونِ الشَّرْطِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ أَيْ: وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَتَرَبَّصُوا بِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ مَا ذُكِرَ مِنْ عَاقِبَتِنَا وَعَاقِبَتِكُمْ، إِنْ أَصْرَرْتُمْ عَلَى كُفْرِكُمْ وَظَهَرَ أَمْرُكُمْ، مِمَّا نَحْنُ فِيهِ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّنَا، وَلَا بَيِّنَةَ لَكُمْ، وَيَالَلَّهِ مَا أَبْلَغَ الْإِيجَازَ فِي حَذْفِ مَفْعُولَيْ تَرَبُّصِهِمَا، وَفِي التَّعْبِيرِ عَنْ تَرَبُّصِ الْمُؤْمِنِينَ بِالصِّفَةِ الدَّالَّةِ عَلَى تَمَكُّنِ الثِّقَةِ مِنْ مُتَعَلِّقِهِ! .
قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ
هَذِهِ الْآيَاتُ الثَّلَاثُ فِي مَسْأَلَةِ النَّفَقَةِ فِي الْقِتَالِ، وَهِيَ الْجِهَادُ الْمَفْرُوضُ فِي الْمَالِ، وَمِثْلُهَا سَائِرُ النَّفَقَاتِ، فِي حُكْمِ مَا يَعْتَوِرُهَا مِنَ الرِّيَاءِ وَالْإِخْلَاصِ، رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute