قَدِ اخْتَلَفُوا فِي النُّزُولِ عَلَى حُكْمِ الْمُشْرِكِينَ، فَكَانَ ذَلِكَ تَقْصِيرًا مِنْهُمْ، وَفِي وَقْعَةِ بِئْرِ مَعُونَةَ قَدْ قَصَّرُوا فِي الِاحْتِيَاطِ إِذْ أَمِنُوا لِمَنْ لَا يَصِحُّ أَنْ يُؤْمَنَ لَهُمْ، فَكَانَ ذَلِكَ جَزَاءَ التَّقْصِيرِ وَمَوْعِظَةً لِلْمُؤْمِنِينَ لِيَكُونُوا دَائِمًا حَذِرِينَ مُحْتَاطِينَ غَيْرَ مُقَصِّرِينَ وَلَا مُسْرِفِينَ.
وَقَدْ صُرِّحَ بِمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْمُفَسِّرُونَ مِنْ كَوْنِ الْآيَاتِ تَأْدِيبًا لِلْمُؤْمِنِينَ وَتَوْبِيخًا لِمَنْ فَرَّطَ مِنْهُمْ مَا فَرَّطَ، وَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ كَالشَّمْسِ فِي الضُّحَى أَوْ أَشَدُّ ظُهُورًا.
يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ بَلِ اللهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ
قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: إِنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ الْتِفَاتٌ عَنْ خِطَابِ الْمُنَافِقِينَ - الَّذِينَ وَبَّخَهُمْ فِي الْآيَاتِ السَّابِقَةِ أَنِ انْهَزَمُوا وَقَالُوا مَا قَالُوا - إِلَى خِطَابِ الْمُؤْمِنِينَ الصَّادِقِينَ. وَقَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: الْخِطَابُ لِمَنْ سَمِعَ قَوْلَ أُولَئِكَ الْقَائِلِينَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ: ارْجِعُوا إِلَى إِخْوَانِكُمْ وَدِينِكُمْ وَهُوَ أَخَصُّ مِمَّا قَبْلَهُ، وَالْمُخْتَارُ عَلَى الطَّرِيقَةِ الَّتِي جَرَيْنَا عَلَيْهَا فِي
تَفْسِيرِ الْآيَاتِ السَّابِقَةِ أَنَّ الْخِطَابَ فِيهَا عَامٌّ وُجِّهَ إِلَى كُلِّ مَنْ شَهِدَ أُحُدًا لِتَكَافُلِهِمْ، وَكُلٌّ يَعْتَبِرُ بِهَا بِحَسَبِ حَالِهِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ الْآيَاتُ الْآتِيَةُ بَعْدَهَا، فَإِنَّهَا مِنْ تَتِمَّةِ الْخِطَابِ وَفِيهَا تَفْصِيلٌ لِأَعْمَالِهِمْ وَنِيَّاتِهِمْ وَعِنَايَةِ اللهِ بِهِمْ، مَعَ تَقْسِيمِهِمْ إِلَى مُرِيدٍ لِلدُّنْيَا وَمُرِيدٍ لِلْآخِرَةِ كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا.
قَوْلُهُ - تَعَالَى -: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا مَعْنَاهُ إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ جَحَدُوا نُبُوَّةَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ يَقْبَلُوا دَعْوَتَهُ إِلَى التَّوْحِيدِ وَالْخَيْرِ كَأَبِي سُفْيَانَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ مُشْرِكِي مَكَّةَ الَّذِينَ دَعَاكُمْ مَرْضَى الْقُلُوبِ إِلَى الرُّجُوعِ إِلَيْهِمْ، وَتَوْسِيطِ رَئِيسِ الْمُنَافِقِينَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رَئِيسِهِمْ (أَبِي سُفْيَانَ) لِيَطْلُبَ لَكُمْ مِنْهُ الْأَمَانَ، أَوِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِقُلُوبِهِمْ وَآمَنُوا بِأَفْوَاهِهِمْ كَعَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ وَأَصْحَابِهِ الَّذِينَ خَذَلُوكُمْ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْحَرْبِ، ثُمَّ دَعَوْكُمْ بَعْدَهَا إِلَى الرُّجُوعِ إِلَى دِينِكُمْ، وَقَالُوا: لَوْ كَانَ مُحَمَّدٌ نَبِيًّا لَمَا أَصَابَهُ مَا أَصَابَهُ يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ إِلَى مَا كُنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْكُفْرِ ابْتِدَاءً أَوِ اسْتِدْرَاجًا. قَالَ الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ: أَيْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute