للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ وَيُحِقُّ اللهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) .

هَذِهِ الْآيَاتُ الْأَرْبَعُ فِي خُلَاصَةِ مَا قَاوَمَ بِهِ فِرْعَوْنُ دَعْوَةَ مُوسَى لِتَأْيِيدِ ادِّعَائِهِ أَنَّهُ سَاحِرٌ وَصَرْفِ قَوْمِهِ عَنِ اتِّبَاعِهِ لِعَدَمِ تَمْيِيزِهِمْ بَيْنَ السِّحْرِ وَآيَاتِ اللهِ لَهُ.

(وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ) أَيْ ذَاكَ مَا قَالَهُ مَلَأُ فِرْعَوْنَ لِمُوسَى وَأَخِيهِ بِحَضْرَتِهِ، وَقَالَ فِرْعَوْنُ بَعْدَ مَا رَأَوْا مِنْ إِصْرَارِ مُوسَى عَلَى دَعْوَتِهِ، وَعَدَمِ مُبَالَاتِهِ بِالتَّصْرِيحِ لَهُ بِمَا يَدْعُونَ أَوْ يَظُنُّونَ مِنْ مُرَادِهِ: (ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ وَاسِعِ الْعِلْمِ رَاسِخٍ فِيهِ مُتْقِنٍ لِلسِّحْرِ بِالْعَمَلِ كَمَا عَبَّرَ عَنْهُ فِي آيَةٍ أُخْرَى (بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ) (٦: ٣٧) .

(فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ) الْمَطْلُوبُونَ الْمَوْصُوفُونَ بِمَا ذُكِرَ (قَالَ لَهُمْ مُوسَى) بَعْدَ أَنْ خَيَّرُوهُ بَيْنَ أَنْ يُلْقِيَ مَا عِنْدَهُ أَوَّلًا أَوْ يُلْقُوا هُمْ مَا عِنْدَهُمْ كَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي سُورَتَيِ

الْأَعْرَافِ وَطَهَ (أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ) لِيَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ إِبْطَالُ الْبَاطِلِ وَإِظْهَارُ الْحَقِّ.

(فَلَمَّا أَلْقَوْا) مَا أَلْقَوْهُ مِنْ حِبَالِهِمْ وَعِصِيِّهِمُ الصِّنَاعِيَّةِ السِّحْرِيَّةِ (قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ) أَيْ هَذَا الَّذِي جِئْتُمْ بِهِ وَأَلْقَيْتُمُوهُ أَمَامَنَا هُوَ السِّحْرُ لَا مَا جِئْتُ بِهِ مِنْ آيَاتِ اللهِ تَعَالَى وَسَمَّاهُ فِرْعَوْنُ وَمَلَؤُهُ سِحْرًا (إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ) أَيْ سَيُظْهِرُ بُطْلَانَهُ لِلنَّاسِ وَأَنَّهُ صِنَاعَةٌ خَادِعَةٌ، لَا آيَةٌ خَارِقَةٌ صَادِعَةٌ، فَالْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافِيَّةُ لِبَيَانِ مَا يُوقِنُ بِهِ مُوسَى مِنْ مَآلِ هَذَا السِّحْرِ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ خَبَرًا لِمَا قَبْلَهَا وَيَكُونَ التَّقْدِيرُ: مَا جِئْتُمْ بِهِ الَّذِي هُوَ السِّحْرُ، إِنَّ اللهَ سَيُبْطِلُهُ بِمَا جِئْتُ بِهِ مِنَ الْحَقِّ، وَعَلَّلَ حُكْمَهُ بِقَوْلِهِ: (إِنَّ اللهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ) وَهُوَ قَاعِدَةٌ عَامَّةٌ مُبَيِّنَةٌ لِسُنَّةِ اللهِ فِي تَنَازُعِ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ، وَالصَّلَاحِ وَالْفَسَادِ، وَيَدْخُلُ فِيهَا سِحْرُهُمْ فَإِنَّهُ بَاطِلٌ وَفَسَادٌ، أَيْ لَا يَجْعَلُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ صَالِحًا، وَالسِّحْرُ مِنْ عَمَلِ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ الْمُفْسِدِينَ.

(وَيُحِقُّ اللهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ) أَيْ يُثْبِتُ الْحَقَّ الَّذِي فِيهِ صَلَاحُ الْخَلْقِ، وَيَنْصُرُهُ عَلَى مَا يُعَارِضُهُ مِنَ الْبَاطِلِ بِكَلِمَاتِهِ التَّكْوِينِيَّةِ وَهِيَ مُقْتَضَى إِرَادَتِهِ، وَكَلِمَاتِهِ التَّشْرِيعِيَّةِ الَّتِي يُوجِبُهَا إِلَى رُسُلِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>