للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِيهَا وَفِي بَعْضِ الْآيَاتِ، وَتَقْدِيمِ اللهْوِ عَلَى اللَّعِبِ فِي آيَةِ الْأَعْرَافِ الَّتِي نَحْنُ بِصَدَدِ تَفْسِيرِهَا. وَلْيُرَاجَعْ أَيْضًا تَفْسِيرُ قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا) (٦: ٧٠) وَفِيهِ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ فِي تَفْسِيرِ اتِّخَاذِ الدِّينِ لَعِبًا وَلَهْوًا.

(فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا) هَذَا مِنْ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ مُرَتَّبٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ تَرَتُّبَ الْمُسَبِّبِ عَلَى السَّبَبِ، وَالْمُرَادُ بِالْيَوْمِ يَوْمُ الْجَزَاءِ وَهُوَ مَحْدُودٌ بِالْعَمَلِ الَّذِي هُوَ الْجَزَاءُ وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ مِقْدَارٌ، وَالْمُرَادُ: نُعَامِلُهُمْ مُعَامَلَةَ الْمَنْسِيِّ الَّذِي لَا يَفْتَقِدُهُ أَحَدُكُمَا كَمَا جَعَلُوا هَذَا الْيَوْمَ مَنْسِيًّا أَوْ كَالْمَنْسِيِّ بِعَدَمِ الِاسْتِعْدَادِ وَالتَّزَوُّدِ لَهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْكَافَ هُنَا لِلتَّعْلِيلِ كَقَوْلِهِ: (وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ) (٢: ١٩٨) أَيْ لِهِدَايَتِهِ لَكُمْ - لَا لِلتَّشْبِيهِ - عَلَى أَنَّهُ يَصِحُّ فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ عَلَى حَدِّ الْمَثَلِ: الْجَزَاءُ مِنْ جِنْسِ الْعَمَلِ، وَلَكِنْ لَا يَصِحُّ فِيمَا عُطِفَ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِ.

(وَمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ) بَلْ يَتَعَيَّنُ فِيهِ التَّعْلِيلُ، فَنِسْيَانُ اللهِ لَهُمُ الْمُرَادُ بِهِ حِرْمَانُهُمْ مِنْ نَعِيمِ الْجَنَّةِ - مَعْلُولٌ بِنِسْيَانِهِمْ لِقَاءَ يَوْمِ الْجَزَاءِ؛ إِذِ الْمُرَادُ بِهِ تَرْكُ الْعَمَلِ لَهُ وَبِجُحُودِهِمْ بِآيَاتِ اللهِ الَّذِي هُوَ عِبَارَةٌ عَنِ الْكُفْرِ بِدِينِهِ وَرَفْضِ مَا جَاءَتْ بِهِ رُسُلُهُ ظُلْمًا وَعُلُوًّا، فَيَنْطَبِقُ عَلَى سَائِرِ الْآيَاتِ النَّاطِقَةِ بِأَنَّ الْجَزَاءَ فِي الدَّارَيْنِ عَلَى الِاعْتِقَادِ وَالْعَمَلِ جَمِيعًا.

(

وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ)

مَا تَقَدَّمَ مِنْ بَيَانِ الْجَزَاءِ وَحَالِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ إِنْذَارٌ عَامٌّ وَمَوْضُوعُهُ عَامٌّ، إِلَّا أَنَّهُ أَلْقَى بَادِيَ بَدْءٍ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ وَمَنْ وَرَاءَهُمْ مِنَ الْعَرَبِ، فَلِهَذَا جَوَّزَ الْمُفَسِّرُونَ فِي ضَمَائِرِ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ أَنْ تَكُونَ عَامَّةً تَشْمَلُ الْأُمَمَ السَّالِفَةَ وَيَكُونُ الْكِتَابُ فِي الْأُولَى مِنْهُمَا لِلْجِنْسِ، وَأَنْ تَكُونَ خَاصَّةً بِهَذِهِ الْأُمَّةِ، وَمَوْقِعُهَا مِمَّا قَبْلَهَا عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَاحِدٌ، وَهُوَ بَيَانُ حُجَّةِ اللهِ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>